للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا. لِيَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا سَعَةً» .

فَكُلُّ مَا لَا يَتِمُّ الْمَعَاشُ إلَّا بِهِ فَتَحْرِيمُهُ حَرَجٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا أَنَّ تَحْرِيمَ مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْأُمَّةَ الْتِزَامُهُ قَطُّ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ الَّذِي لَا يُطَاقُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَوَضَعَهَا اللَّهُ عَنَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ فِي مَوَارِدِهَا وَمَصَادِرِهَا وَجَدَهَا مَبْنِيَّةً عَلَى قَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣] .

فَكُلَّمَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِمْ فِي مَعَاشِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً هِيَ تَرْكُ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلُ مُحَرَّمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَيْسَ بِبَاغٍ وَلَا عَادٍ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً كَالْمُسَافِرِ سَفَرَ مُفْضِيَةٍ اُضْطُرَّ فِيهِ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْمُنْفِقِ لِلْمَالِ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى لَزِمَتْهُ الدُّيُونُ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَيُبَاحُ لَهُ مَا يُزِيلُ ضَرُورَتَهُ فَيُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ وَيُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُحْتَالٌ، كَحَالِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: ١٦٣] . وَقَوْلُهُ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ} [النساء: ١٦٠] الْآيَةَ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ، رُبَّمَا نُنَبِّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَيْهَا وَهَذَا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، بَعْدَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ شَرْعًا وَعَقْلًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>