قَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَمَلُ هُنَا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا وَكَانَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا لَازِمًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ جَعَالَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ غَيْرَ مَعْلُومٍ، لَكِنْ الْعِوَضُ مَضْمُونٌ فَيَكُونُ عَقْدًا نَاجِزًا غَيْرَ لَازِمٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَقَدْ يَزِدْهُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ.
الثَّالِثَةُ: الْإِجَارَةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَيْنًا أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ بِحَيْثُ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَعْلُومًا وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةً، وَهَذِهِ الْإِجَارَةُ الَّتِي تُشْبِهُ الْبَيْعَ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهِ.
وَالْفُقَهَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا أَطْلَقُوا الْإِجَارَةَ أَوْ قَالُوا بَابُ الْإِجَارَةِ أَرَادُوا هَذَا الْمَعْنَى، فَيُقَالُ: الْمُسَاقَاةُ، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَنَحْوُهُنَّ مِنْ الْمُشَارَكَاتِ عَلَى مَا يَحْصُلُ، مَنْ قَالَ هِيَ إجَارَةٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْ الْعَامِّ فَقَدْ صَدَقَ، وَمَنْ قَالَ هِيَ إجَارَةٌ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِذَا كَانَتْ إجَارَةً بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الَّتِي هِيَ الْجَعَالَةُ، فَهُنَالِكَ إنْ كَانَ الْعِوَضُ شَيْئًا مَضْمُونًا مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ الْعَمَلِ جَازَ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا شَائِعًا، كَمَا لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ فِي الْغَزْوِ مَنْ دَلَّنَا عَلَى حِصْنِ كَذَا فَلَهُ مِنْهُ كَذَا، فَحُصُولُ الْجَعْلِ هُنَاكَ الْمَشْرُوطُ بِحُصُولِ الْمَالِ، مَعَ أَنَّهُ جَعَالَةٌ مَحْضَةٌ لَا شَرِكَةَ فِيهِ فَالشَّرِكَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَتَسْلُكُ طَرِيقَةً أُخْرَى فَيُقَالُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قِيَاسُ الْأُصُولِ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْخَاصَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ غَرَرًا قِيَاسًا عَلَى الثَّمَنِ.
فَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْإِجَارَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ الْمُبِيحِ، فَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُعْتَقِدَ لِكَوْنِهَا إجَارَةً يَسْتَفْسِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْخَاصَّةَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَامَّةَ فَأَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلَّا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ ذَكَرَ قِيَاسًا بَيَّنَ لَهُ الْفَرْقَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِ فَقِيهٍ فَضْلًا عَنْ الْفَقِيهِ، وَأَنْ يَجِدَ إلَى أَمْرٍ يَشْمَلُ مِثْلَ هَذِهِ الْإِجَارَةِ سَبِيلًا فَإِذَا انْتَفَتْ أَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ ثَبَتَ الْحِلُّ، وَسَلَكَ مِنْ هَذَا فِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute