الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَبَنِّي الرَّجُلِ ابْنَ غَيْرِهِ، أَوْ انْتِسَابِ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِ مَوْلَاهُ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَلَا يُبِيحُ الشَّرْطُ مَا كَانَ حَرَامًا، وَأَمَّا مَا كَانَ مُبَاحًا بِدُونِ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ وَجَبَهُ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالرَّهْنِ وَتَأْخِيرِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالرَّهْنِ وَبِالِاسْتِيفَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا شَرَطَهُ صَارَ وَاجِبًا وَإِذَا وَجَبَ فَقَدْ حَرُمَتْ الْمُطَالَبَةُ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُبِحْ مُطَالَبَةَ الْمَدِينِ مُطْلَقًا فَمَا كَانَ حَرَامًا وَحَلَالًا مُطْلَقًا فَالشَّرْطُ لَا يُغَيِّرُهُ، وَأَمَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ قَدْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي حَالِ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ مُطْلَقًا، لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ قَدْ أَبَاحَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الشَّرْطِ يَسْتَصْحِبُ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، لَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخِطَابِ، وَبَيْنَ ثُبُوتِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ، فَلَا يُرْفَعُ مَا أَوْجَبَهُ كَلَامُ الشَّارِعِ وَآثَارُ الصَّحَابَةُ تَوَافُقَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ.
وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَمِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيُسْتَصْحَبُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فِيهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] عَامٌّ فِي الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً كَانَتْ صَحِيحَةً، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ جِنْسِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ إلَّا مَا ثَبَتَ حِلُّهُ بِعَيْنِهِ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ
، وَانْتِفَاءُ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ، فَثَبَتَ بِالِاسْتِصْحَابِ الْعَقْلِيِّ وَانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ فِعْلُهَا إمَّا حَلَالًا وَإِمَّا عَفْوًا، كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمْ.
وَغَالِبُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالِاسْتِحْضَارِ الْعَقْلِيِّ، وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ، فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ حَلَالًا أَوْ عَفْوًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute