للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ لَكُمْ وَهَذَا لِتَحْرِيمِهَا بِالْأَيْمَانِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ الْمُخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: ٨٩] أَيْ فَكَفَّارَةُ تَعْقِيدِكُمْ أَوْ عَقْدِكُمْ الْأَيْمَانَ وَهَذَا عَامٌّ، ثُمَّ قَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] . وَهَذَا عَامٌّ كَعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] .

مِمَّا يُوَضِّحُ عُمُومَهُ أَنَّهُمْ قَدْ أَدْخَلُوا الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:

" مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " فَأَدْخَلُوا فِيهِ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْخِلْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا تَنْجِيزًا بِالطَّلَاقِ مُوَافَقَةً لِابْنِ عَبَّاسٍ.؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِحَلِفٍ. وَإِنَّمَا الْحَلِفُ الْمُنْعَقِدُ مَا تَضَمَّنَ مَحْلُوفًا بِهِ وَمَحْلُوفًا عَلَيْهِ إمَّا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَإِمَّا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَنْبِيهٌ عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى التَّكْفِيرِ فِيهِ بِهَذَا الْآيَةِ وَجَعَلُوا، قَوْلَهُ: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] . كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ عَامًّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالْيَمِينِ بِالنَّذْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ لِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فِي الْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فَقَطْ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الْيَمِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ {عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وَ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] مُنْصَرِفًا إلَى الْيَمِينِ الْمَعْهُودَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ اللَّفْظُ إلَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْيَمِينُ الَّتِي لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً كَالْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا يَدْخُلُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ الْمَشْرُوعَةِ، لِقَوْلِهِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>