يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يُعَظِّمُهُ بِالْحَلِفِ فَإِنَّمَا حَلَفَ بِهِ لِيَعْقِدَ بِهِ الْمُحَلَّفَ عَلَيْهِ، وَيَرْبِطَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَظِّمُهُ فِي قَلْبِهِ إذَا رَبَطَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجِدْهُ، فَإِذَا حَلَّ مَا رَبَطَهُ بِهِ فَقَدْ انْتَقَصَتْ عَظَمَتُهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَقَطَعَ السَّبَبَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَكَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْيَمِينُ الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهِ لِحَقِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ، وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ غَمُوسًا كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] .
وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ أَنْ يَعْقِدَ بِاَللَّهِ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا بِهِ فَقَدْ نَقَصَ الصِّلَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، أَوْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ بِاَللَّهِ فِعْلًا قَاصِدًا لِعَقْدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ، لَكِنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُ حِلَّ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ، كَمَا يُبِيحُ لَهُ تَرْكُ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ لِحَاجَةٍ، أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ وُجُوبَهَا، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ يَمِينٌ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ عَدَمَ الْفِعْلِ بِكُفْرِهِ الَّذِي هُوَ بَرَاءَتُهُ مِنْ اللَّهِ، فَيَكُونُ قَدْ رَبَطَ الْفِعْلَ بِإِيمَانِهِ بِاَللَّهِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، فَرَبْطُ الْفِعْلِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ أَدْنَى حَالًا مِنْ رَبْطِهِ بِاَللَّهِ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فَهُوَ عَقْدٌ لَهَا بِإِيمَانِهِ بِاَللَّهِ، وَهُوَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ حَلَالِ اللَّهِ وَإِكْرَامِهِ الَّذِي هُوَ حَدُّ اللَّهِ، وَمَثَلُهُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا سَبَّحَ لِلَّهِ وَذَكَرَهُ فَهُوَ مُسَبِّحٌ لِلَّهِ وَذَاكِرًا لَهُ بِقَدْرِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّسْبِيحُ تَارَةً لِاسْمِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] .
وَتَارَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الأحزاب: ٤٢] وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الإنسان: ٢٥] ، مَعَ قَوْلِهِ: {اُذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute