للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ حُضُورِ مُوجِبِ اللَّفْظِ الْآخَرِ، كِلَاهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رَفْعُ الْيَمِينِ إمَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِمَّا بِالتَّكْفِيرِ.

وَبَعْدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ انْقَسَمَتْ فِي دُخُولِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

فَقَوْمٌ قَالُوا: يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَنْفُسُهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، دَخَلَ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَوْمٌ قَالُوا: يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا إيقَاعُهُمَا وَلَا الْحَلِفُ بِهِمَا لَا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ وَلَا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَهَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ دَخَلَ فِي الْحَدِيثِ وَنَفَعَتْهُ الْمَشِيئَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَأْثُورُ مَعْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. جُمْهُورُ التَّابِعِينَ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ لَمْ يَجْعَلُوا فِي الطَّلَاقِ اسْتِثْنَاءً. وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنْ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ ذَكَرْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلِفَ بِالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَمِينًا مُكَفِّرَةً، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ الْأَيْمَانِ.

وَقَالَ أَيْضًا: الثُّنْيَا فِي الطَّلَاقِ لَا أَقُولُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ جَزْمًا وَاقِعَانِ.

وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَ يَمِينًا أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ يَمِينًا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>