للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ، وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَالْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنْجَزِ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ أَمْ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنْجَزُ، عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.

وَمَا أَدْرِي هَلْ اسْتَحْدَثَ ابْنُ سُرَيْجٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِلِاحْتِيَالِ عَلَى دَفْعِ الطَّلَاقِ أَمْ قَالَهُ طَرْدًا لِقِيَاسٍ اُعْتُقِدَ صِحَّتُهُ، وَاحْتَالَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ، لَكِنِّي رَأَيْت مُصَنَّفًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ صَنَّفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَقْصُودُهُ بِهَا الِاحْتِيَالُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا صَاغُوهَا بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالُوا إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَنْفَعْهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ فِي الْحِيلَةِ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا فِي الدَّوْرِ سَوَاءً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَأَنْتَ طَالِقٌ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِتَطْلِيقٍ يُنَجِّزُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ أَوْ يُعَلِّقُهُ بَعْدَهَا عَلَى شَرْطٍ فَيُوجَدُ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ الَّذِي وُجِدَ شَرْطُهُ تَطْلِيقٌ، أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا قَبْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ بِشَرْطٍ وَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ تَطْلِيقًا؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ الْمُطَلَّقِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِصِفَةٍ يَفْعَلُهَا غَيْرُهُ لَيْسَ فِعْلًا مِنْهُ.

فَأَمَّا إذْ قَالَ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَهَذَا يَعُمُّ الْمُنْجَزَ وَالْمُعَلَّقَ يُعَدُّ هَذَا شَرْطٌ وَالْوَاقِعُ بَعْدَ هَذَا شَرْطٌ يُقَدَّمُ تَعْلِيقُهُ، فَصَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ بِصُوَرٍ قَوْلُهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي حَتَّى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، قَالُوا لَهُ بَلْ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَيَقُولُ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ لَهُ افْعَلْ الْآنَ مَا حَلَفْت عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْك طَلَاقٌ، فَهَذَا التَّسْرِيحُ الْمُنْكَرُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومُ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا إنَّمَا تَفَقُّهٌ فِي الْغَالِبِ وَأَحْوَجَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكَادُ يَقْصِدُ انْسِدَادَ بَابِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ إلَّا بِالْبِرِّ.

الْحِيلَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَالُ لَا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>