للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» .

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدْ اسْتَحْسَنُوا جَوَابَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَلَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: يُطَلِّقُهَا وَلَا يَطَؤُهَا قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ الطَّلَاقَ وَحَرَّمَ وَطْءَ الْحَائِضِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ يَتَوَجَّهُ عَلَى أَصْلَيْنِ إمَّا عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ دُونَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ كِلَاهُمَا حَرَامًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حَرَامٍ إلَّا إلَى حَرَامٌ، وَأَمَّا ضَرَرُ الدُّنْيَا فَأَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ، فَإِنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُوجِبُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ تَأْتِ بِهِ الشَّرِيعَةُ فِي مِثْلِ هَذَا قَطُّ.

فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ تَكُونُ فِي صُحْبَةِ زَوْجِهَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَهِيَ مَتَاعُهُ الَّذِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ، إنْ نَظَرْت إلَيْهَا أَعْجَبَتْك وَإِنْ أَمَرْتهَا أَطَاعَتْك وَإِنْ غِبْت عَنْهَا حَفِظَتْك فِي نَفْسِهَا وَمَالِك» .

وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ فِي قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ أَيُّ الْمَالِ نَتَّخِذُ فَقَالَ: «لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا أَوْ امْرَأَةً صَالِحَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إيمَانِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ.

وَيَكُونُ مِنْهَا مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي كِتَابِهِ، فَيَكُونُ أَلَمُ الْفِرَاقِ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْتِ أَحْيَانًا وَأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ وَأَشَدَّ مِنْ فِرَاقِ الْأَوْطَانِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَلَاقَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَطْفَالٌ يَضِيعُونَ بِالْفِرَاقِ وَيَفْسُدُ حَالُهُمْ، ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْقَطِيعَةِ بَيْنَ أَقَارِبِهَا وَوَقَعَ الشَّرُّ لَمَّا زَالَتْ نِعْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>