تَثْقِيلُهَا بِالْإِيجَابِ أَوْ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرَوْنَ الظِّهَارَ طَلَاقًا، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَأَيْضًا فَالِاعْتِبَارُ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ.
وَالْقِيَاسُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي، أَوْ فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَأَنَا مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا أَوْ شَرِبْت هَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ فَالطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الْحَجُّ لِي لَازِمٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا.
وَكِلَاهُمَا يَمِينَانِ مُحْدَثَتَانِ لَيْسَتَا مَأْثُورَتَيْنِ عَنْ الْعَرَبِ، وَلَا مَعْرُوفَتَيْنِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ صَاغُوا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي أَيْمَانًا وَرَبَطُوا إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كَالْأَيْمَانِ الَّتِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَحْلِفُونَ بِهَا، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَحْلِفُ بِهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إنْ فَعَلْت فَمَالِي صَدَقَةٌ، يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، يَقْتَضِي وُجُودَ الطَّلَاقِ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ نَفْسُ الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ هَذَا طَلَاقًا وَلَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الصَّدَقَةِ حَتَّى تَحْدُثَ صَدَقَةٌ.
وَجَوَابُ هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْفُقَهَاءُ الْمُفَرِّقُونَ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مَعَ الْوَصْفِ الْفَارِقِ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا، وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْفُرُوعِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا بَيَانُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ فَبَعِيرِي هَدْيٌ، فَالْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ وُجُودُ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْهَدْيِ لَا وُجُوبُهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ فِي قَوْلِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وُجُودُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لَا وُجُوبُهُمَا، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِيمَا إذَا قَالَ: هَذَا هَدْيٌ، وَهَذَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، هَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ.
فَمَنْ قَالَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ كَخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ عَنْ مِلْكِهِ، أَكْثَرُ مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute