الْمَصَالِحِ
الْعَامَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْقِيَامُ بِهَا فَرْضًا، إمَّا عَلَى الْأَعْيَانِ وَإِمَّا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمَتَى شُرِعَ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ وَإِعْطَاءُ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتُ وَغَيْرُهَا لِمَنْ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَفُّ الظُّلْمِ عَمَّنْ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي لَا يَبْذُلُ لَا يُوَلَّى وَلَا يُعْطَى وَلَا يُكَفُّ عَنْهُ الظُّلْمُ، وَإِنْ كَانَ أَحَقَّ وَأَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا.
وَالْمَنْفَعَةُ فِي هَذَا لَيْسَتْ لِهَذَا الْبَاذِلِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الْجُعْلُ كَالْجُعْلِ عَلَى الْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَإِنَّمَا الْمَنْفَعَةُ لِعُمُومِ النَّاسِ أَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ أَصْلَحُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُرْزَقَ مِنْ رِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَنْفَعُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يُعَاوِنُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَخْذُ جُعْلٍ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَلَى ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَنْ تُطْلَبَ هَذِهِ الْأُمُورُ بِالْعِوَضِ، وَنَفْسُ طَلَبِ الْوِلَايَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالْعِوَضِ، وَلَزِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مُمَكَّنًا فِيهَا يُوَلَّى وَيُعْطَى وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ وَأَوْلَى، بَلْ يَلْزَمُ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ، وَالْفَاسِقِ وَالْفَاجِرِ، وَتَرْكُ الْعَالِمِ الْعَادِلِ الْقَادِرِ، وَأَنْ يُرْزَقَ فِي دِيوَانِ الْمُقَاتِلَةِ الْفَاسِقُ وَالْجَبَانُ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِتَالِ، وَتَرْكُ الْعَدْلِ الشُّجَاعِ النَّافِعِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَسَادُ مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ، وَإِذَا أَخَذَ وَشَفَعَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَغَيْرُهُ أَوْلَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَلَا يَشْفَعَ وَتَرْكُهُمَا خَيْرٌ، وَإِذَا أَخَذَ وَشَفَعَ لِمَنْ هُوَ الْأَحَقُّ الْأَوْلَى وَتَرَكَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، فَحِينَئِذٍ تَرَكَ الشَّفَاعَةَ، وَالْأَخْذُ أَضَرُّ مِنْ الشَّفَاعَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ.
وَيُقَالُ لِهَذَا الشَّافِعِ الَّذِي لَهُ الْحَاجَةُ الَّتِي تُقْبَلُ بِهَا الشَّفَاعَةُ: يَجِبُ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ نَاصِحًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ، فَأَنْتَ عَلَيْك أَنْ تَنْصَحَ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ فَتُبَيِّنَ لَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ، وَالِاسْتِخْدَامَ، وَالْعَطَاءَ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَتَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَتَنْصَحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ طَاعَتِهِ، وَتَنْفَعَ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ بِمُعَاوَنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا عَلَيْك أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَتُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَسْمُوعُ الْكَلَامِ، فَإِذَا أَكَلَ قَدْرًا زَائِدًا عَنْ الضِّيَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُكَافِئَ الْمُطْعِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَأْكُلَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ الضِّيَافَةَ الزَّائِدَةَ مِثْلُ قَبُولِهِ لِلْهَدِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الشَّاهِدِ وَالشَّافِعِ إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ وَأَقَامَ بِالشَّفَاعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute