للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَاتِ دُونَ الْمَعَاصِي، سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَوْ لَمْ تَقَعْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٦] وَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] .

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ إرَادَةُ التَّقْدِيرِ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَادِثَاتِ، وَقَدْ أَرَادَ مِنْ الْعَالِمِ مَا هُمْ فَاعِلُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥] وَفِي قَوْلِهِ: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} [هود: ٣٤] .

وَفِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ تَتَنَاوَلُ مَا حَدَثَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي دُونَ مَا لَمْ يَحْدُثْ، كَمَا أَنَّ الْأُولَى تَتَنَاوَلُ الطَّاعَاتِ، حَدَثَتْ أَوْ لَمْ تَحْدُثْ، وَالسَّعِيدُ مَنْ أَرَادَ مِنْهُ تَشْرِيعًا مَا أَرَادَ بِهِ تَقْدِيرًا. وَالْعَبْدُ الشَّقِيُّ مَنْ أَرَادَ بِهِ تَقْدِيرًا مَا أَرَادَ بِهِ تَشْرِيعًا، وَالْحُكْمُ يَجْرِي عَلَى وَفْقِ هَاتَيْنِ الْإِرَادَتَيْنِ.

فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْأَعْمَالِ بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ كَانَ بَصِيرًا، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَدَرِ دُونَ الشَّرْعِ، أَوْ الشَّرْعِ دُونَ الْقَدَرِ، كَانَ أَعْوَرَ، مِثْلَ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>