وَمِنْ أُصُولِ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . وَمِنْ أُصُولِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمَّا أَرَادَ أَهْلُ بَرِيرَةَ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْمُسْتَفِيضُ الَّذِي اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَلَقِّيه بِالْقَبُولِ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الشُّرُوطِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، لَيْسَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِالشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ، بَلْ مَنْ اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ شُرُوطًا تُخَالِفُ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، بِحَيْثُ تَتَضَمَّنُ تِلْكَ الشُّرُوطُ الْأَمْرَ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ النَّهْيَ عَمَّا أَمَرَ بِهِ، أَوْ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَهُ، أَوْ تَحْرِيمَ مَا حَلَّلَهُ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ بَاطِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ: الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» .
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هُوَ مِنْ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى سَبَبِهِ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى أَسْبَابٍ لَا تَخْتَصُّ بِأَسْبَابِهَا كَالْآيَاتِ النَّازِلَةِ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ: مِثْلَ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَالْجِهَادِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَالْقَذْفِ وَالْمُحَارَبَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْفَيْءِ وَالرِّبَا وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَعَامَّتُهَا نَزَلَتْ عَلَى أَسْبَابٍ مُعَيَّنَةٍ مَشْهُورَةٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute