تَحْتَ أَمْرِهِمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى السَّفِيهِ مَالَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ تَسْلِيمِ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِ، إلَّا إذَا أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى النَّوْعَيْنِ كِلَيْهِمَا: فَقَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ يُجْعَلَ السَّفِيهُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ: بِالْوَكَالَةِ، أَوْ الْوِلَايَةِ. وَصَرْفُ الْمَالِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَلَا الدُّنْيَا مِنْ أَعْظَمِ السَّفَهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الشَّرْعِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَنْتَفِعُ بِوَقْفِهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَبْذُلُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ، إنْ لَمْ يُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَبِيلُ اللَّهِ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا يُثِيبُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَنْفَقُوهُ فِيمَا يُحِبُّهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُحِبُّهُ فَلَا ثَوَابَ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَنَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَاجِبَةٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الْأَجَانِبِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُبَاحَاتُ الَّتِي لَا يُثِيبُ الشَّارِعُ عَلَيْهَا لَا يُثِيبُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِيهَا وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا. وَلَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا مَنْفَعَةٌ وَثَوَابٌ فِي الدِّينِ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا. فَالْوَقْفُ عَلَيْهَا خَالٍ مِنْ انْتِفَاعِ الْوَاقِفِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَيَكُونُ بَاطِلًا. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا بَلْ وَاجِبًا، فَإِنَّمَا ذَاكَ إذَا أَعْطَوْا بِسَبَبٍ غَيْرِ الْغِنَى، مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْجِهَادِ وَالدِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إنْ جَعَلَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْغِنَى وَتَخْصِيصُ الْغَنِيِّ بِالْإِعْطَاءِ مَعَ مُشَارَكَةِ الْفَقِيرِ لَهُ فِي أَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ سِوَى الْغَنِيِّ، مَعَ زِيَادَةِ اسْتِحْقَاقِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ فِيمَا يُؤَبَّدُ عَلَى الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ. وَفِيمَا يَمْنَعُ مِنْهُ التَّوَارُثَ، وَهَذَا لَوْ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً رَاجِحَةً، وَإِلَّا كَانَ يُمْنَعُ مِنْهُ الْوَاقِفُ، لِأَنَّهُ فِيهِ حَبْسُ الْمَالِ عَنْ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ، وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ. وَهَذَا مَأْخَذُ مَنْ قَالَ: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَرْكٌ لِقَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، بَلْ قَدْ حَبَسَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ الْوَارِثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute