أَحَدُهَا: هُوَ اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الِاغْتِسَالِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِسُؤْرِ الْآخَرِ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَهُمْ: أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، أَوْ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، إذَا تَوَضَّؤُا وَاغْتَسَلُوا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ جَازَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالسُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَرْأَةُ بِالِاغْتِسَالِ، أَوْ خَلَتْ بِهِ، هَلْ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ التَّطَهُّرِ بِسُؤْرِهَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ. أَحَدُهَا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: يُنْهَى عَنْهُ إذَا خَلَتْ بِهِ دُونَ مَا انْفَرَدَتْ بِهِ وَلَمْ تَخْلُ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ فِي السُّنَنِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَأَمَّا اغْتِسَالُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَتَنَازَعْ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ، وَإِذَا جَازَ اغْتِسَالُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، فَاغْتِسَالُ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ جَمِيعًا، أَوْ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ جَمِيعًا أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، فَمَنْ كَرِهَ أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ رَأَى أَنَّ طُهْرَهُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَحْدَهُ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَفَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ. يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْآنِيَةَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجُهُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَغْتَسِلُونَ مِنْهَا كَانَتْ آنِيَةً صَغِيرَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَادَّةٌ لَا أُنْبُوبٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَفِيضُ، فَإِذَا كَانَ تَطَهُّرُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا مِنْ تِلْكَ الْآنِيَةِ جَائِزًا، فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْحِيَاضِ الَّتِي فِي الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ الْحَمَّامَاتِ الَّتِي يَكُونُ الْحَوْضُ أَكْبَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ الْقَدِيمِ، فَيَكُونُ هَذَا بِالرَّطْلِ الْمِصْرِيِّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِعَشَرَاتٍ مِنْ الْأَرْطَالِ، فَإِنَّ الرَّطْلَ الْعِرَاقِيَّ الْقَدِيمَ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا الرَّطْلُ الْمِصْرِيُّ: مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أُوقِيَّةٍ وَرُبُعٍ مِصْرِيَّةً.
فَالْخَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ: أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا، وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ بِالرَّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ الَّذِي هُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute