للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَلَهُ وَلَدٌ؛ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ وَلَدٍ آخَرَ، وَعَنْ وَلَدِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَشْتَرِكَانِ؟ أَوْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْأَوَّلُ؟ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَاد أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ - سَوَاءٌ كَانَ عَمُّهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا - فَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إذًا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْأَبِ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْتِيبِ الْعَصَبَةِ: أَنَّهُمْ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أَبُوهُ؛ ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ بَنُو الْعَمِّ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْأُولَى.

فَمَتَى كَانَتْ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَالْأُولَى لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى اُسْتُحِقَّتْ أَوْ لَمْ تُسْتَحَقَّ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْقَاقِ الثَّانِيَةِ اسْتِحْقَاقُ الْأُولَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَتَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ الْوَاقِفِ، لَا مِنْ الثَّانِيَةِ، فَلَيْسَ هُوَ كَالْمِيرَاثِ الَّذِي يَرِثُهُ الِابْنُ؛ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى ابْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالْوَلَاءِ الَّذِي يُورَثُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ابْنُ الْمُعْتِقِ قَدْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُعْتَقِ؛ وَرِثَ الْوَلَاءَ ابْنُ ابْنِهِ.

وَإِنَّمَا يَغْلَطُ مَنْ يَغْلَطُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَتَلَقَّى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا؛ فَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ تَسْتَحِقَّ الثَّانِيَةُ. ثُمَّ يَظُنُّونَ أَنَّ الْوَالِدَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ابْنُهُ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هُمْ يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُولَى مَحْجُوبَةً بِمَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ، أَوْ عُلَمَاءَ، أَوْ عُدُولًا؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْأَبُ مُخَالِفًا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَابْنُهُ مُتَّصِفًا بِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِابْنَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ. كَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ ابْنُهُ. وَهَكَذَا جَمِيعُ التَّرْتِيبِ فِي الْحَضَانَةِ، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَالْمَالِ، وَتَرْتِيبُ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فِي الْمِيرَاثِ وَسَائِرِ مَا جُعِلَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِيهِ طَبَقَاتٍ وَدَرَجَاتٍ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ.

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْوَاقِفُونَ إذَا سَأَلُوا عَنْ مُرَادِهِمْ. وَمَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِمُرَادِهِ فَإِنَّهُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لَا سِيَّمَا وَالنَّاسُ يَرْحَمُونَ مَنْ مَاتَ وَالِدُهُ وَلَمْ يَرِثْ؛ حَتَّى إنَّ الْجَدَّ قَدْ يُوصِي لِوَلَدِ وَلَدِهِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْوَلَدِ وَنِسْبَةَ وَلَدِ ذَلِكَ الْوَلَدِ إلَى الْجَدِّ سَوَاءٌ.

فَكَيْفَ يَحْرِمُ وَلَدَ وَلَدِهِ الْيَتِيمَ وَيُعْطِي وَلَدَ وَلَدِهِ الَّذِي لَيْسَ بِيَتِيمٍ؟ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ عَاقِلٌ. وَمَتَى لَمْ نَقُلْ بِالتَّشْرِيكِ بَقِيَ الْوَقْفُ فِي هَذَا الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ؛ دُونَ ذُرِّيَّةِ الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>