لِمَا يَظْهَرُ لَهُ
مِنْ الْمَصْلَحَةِ
فِيهِ. فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَائِغًا؟ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَوْفِي الْمَذْكُورُ تَنَاوُلَ مَا قُرِّرَ لَهُ أَمْ لَا، إذَا قَامَ بِوَظِيفَتِهِ؟ وَإِذَا كَانَتْ وَظِيفَتُهُ اسْتِرْجَاعَ الْحِسَابِ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ عَلَى حُكْمِ أَوْضَاعِ الْكِتَابِ؛ وَوَجَدَ ارْتِفَاعَ حِسَابِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ، فَتَصَرَّفَ وَعَمِلَ فِيهِ وَظِيفَتَهُ. هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَرْجَعَ حِسَابَهُمْ فِيهَا وَقَامَ بِوَظِيفَتِهِ بِذَلِكَ الْحِسَابِ؟ .
الْجَوَابُ: نَعَمْ، لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْصِبَ دِيوَانًا مُسْتَوْفِيًا لِحِسَابِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا لَهُ أَنْ يَنْصِبَ الدَّوَاوِينَ مُسْتَوْفِيًا لِحِسَابِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ: كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ.
وَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَاسْتِيفَاءِ الْحِسَابِ، وَضَبْطِ مَقْبُوضِ الْمَالِ، وَمَصْرُوفِهِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي لَهُ أَصْلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] وَفِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ حَاسَبَهُ» . وَهَذَا أَصْلٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ. وَالْمُسْتَوْفِي الْجَامِعُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِي مُحَاسَبَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ مُحَاسَبَتُهُمْ مِنْ دِيوَانٍ جَامِعٍ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَثُرَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى عَهْد أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَعَ " الدَّوَاوِينَ " دِيوَانَ الْخَرَاجِ، وَهُوَ دِيوَانُ الْمُسْتَخْدَمِينَ عَلَى الِارْتِزَاقِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ. وَدِيوَانَ النَّفَقَاتِ، وَهُوَ دِيوَانُ الْمَصْرُوفِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّذِي يُشْبِهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ دِيوَانَ الْحَبْسِ وَالثُّبُوتَاتِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ.
وَكَذَلِكَ الْأَمْوَالُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ إجْرَاؤُهَا عَلَى الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ الْمُوَافِقَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِقَامَةُ الْعُمَّالِ عَلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَامِلٌ مِنْ جِهَةِ النَّاظِرِ. وَالْعَامِلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَدْخُلُ فِيهِ الَّذِي يُسَمَّى نَاظِرًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ النَّاظِرِ لِقَبْضِ الْمَالِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ صَرْفُهُ وَدَفْعُهُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَنَصْبُ الْمُسْتَوْفِي الْجَامِعِ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute