قَوْلَ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى وَلَدِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ.
وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: كَانَ نَصِيبُهُ. يَتَنَاوَلُ النَّصِيبَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَأَمَّا تَنَاوُلُهُ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ بَلْ قَدْ يُقَالُ: هَذَا هُوَ فِي الْأَصْلِ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ لَفْظًا وَعُرْفًا أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الطَّبَقَةِ فِي نَصِيبِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، فَأَخَذَهُ الْمُسَاوِي بِكَوْنِهِ كَانَ فِي الطَّبَقَةِ، وَأَوْلَادُهُ فِي الطَّبَقَةِ: كَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ. فَكَمَا أَنَّ الْمَيِّتَيْنِ لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا النَّصِيبِ الْعَائِدِ: فَكَذَلِكَ يَشْتَرِكُ فِيهِ وَلَدُهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا؛ فَإِنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى صَاحِبِ النَّصِيبِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَهُ النَّاسُ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ. وَالْمَقْصُودُ إجْرَاءُ الْوَقْفِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْوَاقِفُ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ نُصُوصَهُ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ. يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ. فَيُفْهَمُ مَقْصُودُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا يُفْهَمُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ.
وَمَنْ كَشَفَ أَحْوَالَ الْوَاقِفِينَ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذَا الْمَعْنَى؛ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ. وَنِسْبَةُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ، فَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ يُعْطِيَ ابْنَ هَذَا نَصِيبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِتَأَخُّرِ مَوْتِ أَبِيهِ، وَأُولَئِكَ لَا يُعْطَوْنَ إلَّا نَصِيبًا وَاحِدًا؛ لَا سِيَّمَا وَهَذَا الْمُتَأَخِّرُ قَدْ اسْتَغَلَّ الْوَقْفَ، فَقَدْ يَكُونُ خَلَّفَ لِأَوْلَادِهِ بَعْضَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَاَلَّذِي مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَغِلَّهُ إلَّا قَلِيلًا، فَأَوْلَادُهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَاجَةِ، وَنِسْبَتُهُمَا إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ. فَكَيْفَ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَاجَةِ إلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنْهَا وَهُمَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ وَإِلَى الْمَيِّتِ صَاحِبِ النَّصِيبِ - بَعْدَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ - سَوَاءٌ.
وَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ آخِرًا، وَلَوْ مَاتَ آخِرًا اشْتَرَكَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ فِيهِ؛ بَلْ هَذَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ الْوَاقِفِ: إنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ وَلَا مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ: فَيَكُونُ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ سَوَاءٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute