يُمْكِنُ بَيْعُهُ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَكْبَرَ انْتِفَاعُ الذُّرِّيَّةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُمْ إذْهَابَ عَيْنِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِيرَاثِ هُنَا شَبَهًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ فِيهِمَا. ثُمَّ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَوْ أُطْلِقَتْ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا أَطْلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: ١٢] {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: ١٢] لَمَا فُهِمَ مِنْهَا إلَّا مُقَابَلَةُ التَّوْزِيعِ لِلْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ؛ لَا مُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، وَلَا مُقَابَلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَلَا مُقَابَلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِالْمَجْمُوعِ، كَمَا لَوْ قَالَ الْفَقِيهُ لِرَجُلٍ: مَالُك يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِك، ثُمَّ إلَى وَرَثَتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ. فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ؛ إمَّا صَلَاحًا، وَإِمَّا ظُهُورًا.
الثَّالِثُ: إنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِهِمْ. مُحَالٌ أَنْ يَحْصُلَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ مُقَابَلَةُ كُلِّ فَرْدٍ بِكُلِّ فَرْدٍ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ لَيْسَ مُضَافًا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِدَيْنِ؛ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: ثُمَّ عَلَى مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ. فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ. فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ مُقَابَلَةُ التَّوْزِيعِ.
وَفِي الْكَلَامِ مَعْنَيَانِ: إضَافَةٌ، وَتَرْتِيبٌ. فَإِذَا كَانَتْ مُقَابَلَةُ الْإِضَافَةِ مُقَابَلَةَ تَوْزِيعٍ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُقَابَلَةُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا مُقَابَلَةَ تَوْزِيعٍ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] لَمَّا كَانَ مَعْنَى إرْضَاعٍ وَإِضَافَةً، وَالْإِضَافَةُ مُوَزَّعَةٌ: كَانَ الْإِرْضَاعُ مُوَزَّعًا. وَقَوْلُهُ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: ١٢] لَمَّا كَانَ مَعْنَى إضَافَةٍ مُوَزَّعَةٍ: كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُوَزَّعًا. وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ مُقَابَلَةَ التَّوْزِيعِ فِي هَذَا الضَّرْبِ قَوِيَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَاجِحَةً، أَوْ مَرْجُوحَةً، أَوْ مُكَافِئَةً.
وَلِلنَّاسِ تَرَدُّدٌ فِي مُوجَبِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ.
مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يُرَجِّحُونَ تَرْتِيبَ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ بِلَا تَوْزِيعٍ، كَمَا فِي قَوْلِنَا: عَلَى هَؤُلَاءِ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَلِأَصْحَابِنَا فِي مُوجَبِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَجْهَانِ، مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute