للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْإِطْلَاقِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاسْتِحْقَاقُ الْمُرَتَّبِ فِي الشَّرْعِ وَالشَّرْطُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي انْتِقَالِهِ إلَى الثَّانِي عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ وُجِدَ وَاسْتُحِقَّ، أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يُسْتَحَقَّ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ بِحَالٍ، كَمَا فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِي تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ، وَأَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ، وَالْحَضَانَةِ، وَغَيْرِهِمْ فَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، فَإِنَّ الْأَقْرَبَ إذَا عُدِمَ أَوْ كَانَ مَمْنُوعًا لِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى مَنْ يَلِيه. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى مَنْ يَلِيه أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَدْ اسْتَحَقَّ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: النَّظَرُ فِي هَذَا لِفُلَانٍ، ثُمَّ لِفُلَانٍ، أَوْ لِابْنِهِ. فَمَتَى انْتَفَى النَّظَرُ عَنْ الْأَوَّلِ لِعَدَمِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ كُفْرِهِ انْتَقَلَ إلَى الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ. وَكَذَلِكَ تَرْتِيبُ الْعَصَبَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَفِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، وَفِي الْحَضَانَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْفِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ عَصَبَتَهُمْ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا؛ أَوْ فُقَرَاءَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَانْتَفَى شَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، أَوْ كُلُّهُمْ. انْتَقَلَ الْحَقُّ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالِاسْتِحْقَاقِ.

وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَتَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ الْوَاقِفِ؛ لَا مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى؛ لَكِنَّ تَلَقِّيهمْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْأُولَى، كَمَا أَنَّ الْعَصَبَةَ الْبَعِيدَةَ تَتَلَقَّى الْإِرْثَ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لَا مِنْ الْعَاصِبِ الْقَرِيبِ؛ لَكِنَّ شَرْطَ اسْتِحْقَاقِهِ عَدَمُ الْعَاصِبِ الْقَرِيبِ. وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ - فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ - يَرِثُ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ.

وَإِنَّمَا يَغْلَطُ ذِهْنُ بَعْضِ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذَا حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّ الْوَلَدَ يَأْخُذُ هَذَا الْحَقَّ إرْثًا عَنْ أَبِيهِ أَوْ كَالْإِرْثِ؛ فَيَظُنُّ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الثَّانِيَةِ مَشْرُوطٌ بِاسْتِحْقَاقِ الْأُولَى، كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. فَيَقُولُ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ قَدْ تَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَرِثْهُ الِابْنُ. وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الِابْنَ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُ الْأَبُ بِحَالٍ، وَلَا يَأْخُذُ عَنْ الْأَبِ شَيْئًا؛ إذْ لَوْ كَانَ الْأَبُ؛ مَوْجُودًا لَكَانَ يَأْخُذُ الرِّيعَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى ابْنِهِ الرِّيعُ الْحَادِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ؛ لَا الرِّيعُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ؛ وَأَمَّا رَقَبَةُ الْوَقْفِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا: حَقُّ الثَّانِي فِيهَا فِي وَقْتِهِ نَظِيرُ حَقِّ الْأَوَّلِ فِي وَقْتِهِ، لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ إرْثًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>