بِمَجْهُولٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ سَبَبُ اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَسَبَبُ اللَّفْظِ الْعَامِّ مُرَادٌ فِيهِ قَطْعًا، كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ إنْ حَلَفَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَأَعْطُوهُ إيَّاهُ. وَمِثْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَاجِبٌ تَنْفِيذُهَا.
وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الرَّدَّ كَالْبَيِّنَةِ صَارَ حَلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً، وَيَصِيرُ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مَا ادَّعَاهُ إلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ هَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ لَا يَقْضِي بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي: كَمَالِكٍ؛ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، فَالْأَمْرُ عِنْدَهُ أَوْكَدُ؛ فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ؛ وَكَانَ مِنْ النُّكُولِ أَيْضًا، فَالرَّجُلُ الَّذِي قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مُعَامَلَاتٍ مُتَعَدِّدَةً مِنْهَا مَا هُوَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَعَلَيْهِ حُقُوقٌ قَدْ لَا يُعْلَمُ أَرْبَابُهَا، وَلَا مِقْدَارُهَا: لَا تَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْهُ تَبَرُّعًا؛ بَلْ تَكُونُ وَصِيَّةً بِوَاجِبٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِوَاجِبٍ لِآدَمِيٍّ تَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا، وَشُكَّ فِي أَدَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ؛ بَلْ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا يُعْلَمُ عَيْنُ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا تَبْرَأَ بِهِ ذِمَّتُهُ؛ فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، وَكَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ؛ فَإِذَا قَالَ: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمَا فَهُوَ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَمْرٍ لَا يَعْلَمُ ثُبُوتَهُ وَلَا انْتِفَاءَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِهِ يَمِينَ بَتٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَلِفٌ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ؛ وَإِذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ بِأَمْرٍ بُنِيَ عَلَيْهِ، وَإِذَا رُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَالِ عَلَيْهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ نَهَاهُمْ عَنْ إعْطَائِهِ قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا مَانِعًا الْمُسْتَحَقَّ؛ وَإِنْ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ كُلِّ مُدَّعٍ أَفْضَى إلَى أَنْ يَدَّعِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَذَلِكَ تَبَرُّعٌ؛ فَإِذَا أَمَرَ بِتَحْلِيفِهِ وَإِعْطَائِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَيْثُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ أُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute