للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهَا فَلَيْسَ دُونَهَا، وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ خَبَرَ حَقِيقَةَ اللَّعِبِ بِهَا، فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَعَنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ هُوَ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ تَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَيَّا الْكُؤُوسِ. فَتَصُدُّ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخُمُورِ وَالْحَشِيشَةِ، وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا فَتَحْرِيمُ النَّرْدِ الْخَالِيَةِ عَنْ عِوَضٍ مَعَ إبَاحَةِ الشِّطْرَنْجِ، مِثْلُ تَحْرِيمِ الْفِطْرَةِ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ وَإِبَاحَةِ الْغَرْفَةِ مِنْ نَبِيذِ الْحِنْطَةِ.

وَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِبَارِ، وَالْقِيَاسِ، وَالْعَدْلِ، فَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ. وَتَحْرِيمُ النَّرْدِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا لَهَا عِنْدَهُمْ نَرْدٌ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لَأُخْرِجُكُمْ مِنْ دَارِي، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا.

وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ: عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَنْ ضَرَبَ بِكِعَابِهَا يَلْعَبُ بِهَا» فَعَلَّقَ الْمَعْصِيَةَ بِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ بِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ عِوَضًا بَلْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ الضَّرْبُ بِكِعَابِهَا. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» . وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِيرَ» فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ اللَّاعِبَ بِهَا كَالْغَامِسِ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ، وَاَلَّذِي يُشَقِّصُ الْخَنَازِيرَ، يُقَصِّبُهَا وَيُقَطِّعُ لَحْمَهَا كَمَا يَصْنَعُ الْقَصَّابُ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ مُتَنَاوِلٌ اللَّعِبَ بِهَا بِالْيَدِ، سَوَاءٌ وُجِدَ أَكْلٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، كَمَا أَنَّ غَمْسَ الْيَدِ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ وَتَشْقِيصِ لَحْمِهِ مُتَنَاوِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>