وَقَدْ طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَامِدٍ وَنَحْوُهُ، وَرَدُّوا ذَلِكَ لَا مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ قَلِيلُو الْمَعْرِفَةِ بِهِ، كَمَا كَانَ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: أَنَا مُزْجَى الْبِضَاعَةِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ الْكُسُوفِ إذَا كَانَ مَثَلًا كَوْنُ الْقَمَرِ إذَا حَاذَاهَا مَنَعَ نُورَهَا أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَلَّلَ ذَلِكَ بِالتَّجَلِّي. وَالتَّجَلِّي الْمَذْكُورُ لَا يُنَافِي السَّبَبَ الْمَذْكُورَ، فَإِنَّ خُشُوعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ إذَا حَصَلَ لِنُورِهِ مَا يَحْصُلُ مِنْ انْقِطَاعٍ يُرْفَعُ تَأْثِيرُهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ سُلْطَانِهِ وَمَوْضِعِ انْتِشَارِهِ وَتَأْثِيرِهِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مَكَان بَعِيدٍ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَذَلَّ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: ٥] . فَالْمُدَبِّرَاتُ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا إقْسَامُ اللَّهِ بِالنُّجُومِ، كَمَا أَقْسَمَ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير: ١٥] {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: ١٦] . فَهُوَ كَإِقْسَامِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا أَقْسَمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْظِيمَ قَدْرِ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْعِبْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلنَّاسِ، وَالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْقُلُوبُ بِهِ، أَوْ يُظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْعِدُ الْمُنْحِسُ، كَمَا لَا يُظَنُّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: ٢] .
وَفِي {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات: ١] {فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} [الذاريات: ٢] ، وَفِي {وَالطُّورِ} [الطور: ١] {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَاعْتِقَادُ الْمُعْتَقِدِ أَنَّ نَجْمًا مِنْ النُّجُومِ السَّبْعَةِ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِسَعْدِهِ وَنَحْسِهِ، اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ الْمُدَبِّرُ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ إنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ دُعَاؤُهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ كَانَ كُفْرًا وَشِرْكًا مَحْضًا، وَغَايَةُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ حِينَ وُلِدَ بِهَذَا الطَّالِعِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي أَحْوَالِ هَذَا الْمَوْلُودِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ مَا ذُكِرَ، بَلْ مَا عُلِمَ حَقِيقَةُ تَأْثِيرِهِ فِيهِ، مِثْلُ: حَالِ الْوَالِدَيْنِ، وَحَالُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ مَحْسُوسٌ فِي أَحْوَالِ الْمَوْلُودِ، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا مُسْتَقِلًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute