للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي فِي السُّنَنِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيَّ فِي الْمَوْقِفِ، وَيَقُولُ: أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إلَى قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي فَإِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: {الم} [الروم: ١] {غُلِبَتِ الرُّومُ - فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} [الروم: ٢ - ٣] ، قَالُوا: هَذَا كَلَامُكَ أَمْ كَلَامُ صَاحِبِكَ؟ فَقَالَ: " لَيْسَ بِكَلَامِي وَلَا بِكَلَامِ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ ".

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا - وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا - وَبَنِينَ شُهُودًا - وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا - ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ - كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا - سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا - إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر: ١١ - ١٨] {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: ١٩] {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: ٢٠] {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: ٢٢] {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: ٢٣] {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: ٢٤] {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: ٢٥] . فَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَشَرِ كَانَ قَوْلُهُ مُضَاهِيًا لِقَوْلِ الْوَحِيدِ الَّذِي أَصْلَاهُ اللَّهُ صَقَرَ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ لِعَامَّةِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ كَالْمُبَلِّغِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .

إذَا سَمِعَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُبَلِّغِ قَالُوا هَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلَوْ قَالَ الْمُبَلِّغُ هَذَا كَلَامِي وَقَوْلِي لَكَذَّبَهُ النَّاسُ.

لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْكَلَامَ كَلَامٌ لِمَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا مُنْشِئًا لَا لِمَنْ أَدَّاهُ رَاوِيًا مُبَلِّغًا، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا مَعْلُومًا فِي تَبْلِيغِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ فَكَلَامُ الْخَالِقِ أَوْلَى أَنْ لَا يُجْعَلَ كَلَامًا لِغَيْرِ الْخَالِقِ.

وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْهُ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١١٤] .

وَقَالَ: {حم - تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: ١ - ٢] .

<<  <  ج: ص:  >  >>