للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا تَنْجُسُ وَلَوْ مَعَ الْكَثْرَةِ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا كَالْمَاءِ سَوَاءً، كَانَتْ مَائِيَّةً، أَوْ غَيْرَ مَائِيَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، نَقَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَحُكِيَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ فَقَالَ: إنَّ أَبَا ثَوْرٍ شَبَّهَهُ بِالْمَاءِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُكْمَ الْمَائِعَاتِ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْمَاءِ، وَمَذْهَبُهُمْ فِي الْمَائِعَاتِ مَعْرُوفٌ: فَإِذَا كَانَتْ مُنْبَسِطَةً بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهَا بِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ لَمْ تَنْجُسْ كَالْمَاءِ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْعَكْسِ: بِالْقُلَّتَيْنِ كَالشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ أَنَّهَا كَالْمَاءِ يُذْكَرُ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ فِي يَسِيرِ النَّجَاسَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الطَّعَامِ الْكَثِيرِ رِوَايَتَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نَافِعٍ، مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، فِي الْجِبَابِ الَّتِي بِالشَّامِ لِلزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الزَّيْتَ، قَالَ: وَلَيْسَ الزَّيْتُ كَالْمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الزَّيْتِ وَغَيْرِهِ تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَوْصَافَهُ وَكَانَ كَثِيرًا؛ لَمْ يَنْجُسْ بِخِلَافِ مَوْتِهَا فِيهِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ مَوْتِهَا فِيهِ، وَوُقُوعِهَا فِيهِ. وَمَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ: أَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ، إلَّا السَّمْنَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، كَمَا يَقُولُونَ إنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ، إلَّا إذَا بَالَ فِيهِ بَائِلٌ. وَالثَّالِثَةُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَائِعِ الْمَائِيِّ: كَخَلِّ الْخَمْرِ، وَغَيْرِ الْمَائِيِّ: كَخَلِّ الْعِنَبِ، فَيُلْحَقُ الْأَوَّلُ بِالْمَاءِ دُونَ الثَّانِي.

وَفِي الْجُمْلَةِ: لِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَائِعَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهَا كَالْمَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنَجُّسِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا طَعَامٌ وَإِدَامٌ فَإِتْلَافُهَا فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>