للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالتِّلَاوَةِ كَلَامُ اللَّهِ.

وَصَوْتُك وَاسِطَةٌ، فَإِذَا قُلْت " مَخْلُوقٌ " وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ.

كَمَا إذَا سَمِعْت قَائِلًا يَذْكُرُ رَجُلًا فَقُلْت أَنَا أُحِبُّ هَذَا، وَأَنَا أَبْغَضُ هَذَا، انْصَرَفَ الْكَلَامُ إلَى الْمُسَمَّى الْمَقْصُودِ بِالِاسْمِ، لَا إلَى الصَّوْتِ الذَّاكِرِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

كَيْفَمَا تَصَرَّفَ، خِلَافُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتِهِمْ.

فَإِنَّهُ مَنْ نَفَى عَنْهَا الْخَلْقَ كَانَ مُبْتَدِعًا ضَالًّا.

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: يَقُولُونَ: إنَّ الْقُرْآنَ صِفَتُهُ.

وَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.

فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ هَذَا نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ، فَقَدْ قُلْتُمْ بِالْحُلُولِ.

وَأَنْتُمْ تُكَفِّرُونَ الْحُلُولِيَّةَ وَالِاتِّحَادِيَّةَ.

وَإِنْ قُلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُمْ بِمَقَالَتِنَا.

فَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَهُلَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ.

فَإِنَّ مَنْشَأَ الشُّبْهَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، يَجْعَلُ أَحْكَامَهُ وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا مِنْهُ أَوْ كَلَامُهُ مُبَلَّغًا عَنْهُ، وَمِنْ هُنَا ضَلَّتْ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ.

طَائِفَةٌ قَالَتْ: هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، وَهَذَا حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مَخْلُوقَةٌ، وَكَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ هَذَا مَخْلُوقٌ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَهَذَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَهَذَا أَلْفَاظُنَا وَتِلَاوَتُنَا، فَأَلْفَاظُنَا وَتِلَاوَتُنَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.

وَمَنْشَأُ ضَلَالِ الْجَمِيعِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي هَذَا، وَأَنْتَ تَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ تَسْمَعُهُ مِنْ قَائِلِهِ فَتَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ صِدْقٌ وَحَقٌّ وَصَوَابٌ وَكَلَامٌ حَكِيمٌ، وَكَذَلِكَ إذَا سَمِعْتَهُ مِنْ نَاقِلِهِ تَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ صِدْقٌ وَحَقٌّ وَصَوَابٌ، وَهُوَ كَلَامٌ حَكِيمٌ، فَالْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ، وَتَقُولُ أَيْضًا: إنَّ هَذَا صَوْتٌ حَسَنٌ، وَهَذَا كَلَامٌ مِنْ وَسَطِ الْقَلْبِ فَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَاكَ: بَلْ أَشَارَ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا مِنْ صَوْتِهِ وَقَلْبِهِ.

وَإِذَا كُتِبَ الْكَلَامُ صَفْحَتَيْنِ كَالْمُصْحَفَيْنِ تَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَذَا قُرْآنٌ كَرِيمٌ، وَهَذَا كِتَابٌ مَجِيدٌ، وَهَذَا كَلَامٌ، فَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ، ثُمَّ تَقُولُ: هَذَا خَطٌّ حَسَنٌ، وَهَذَا قَلَمُ النَّسْخِ أَوْ الثُّلُثُ، وَهَذَا الْخَطُّ أَحْمَرُ أَوْ أَصْفَرُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْمُصْحَفَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، فَإِذَا مَيَّزَ الْإِنْسَانُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بِهَذَا وَهَذَا، تَبَيَّنَ الْمُتَّفِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>