الْمَخْلُوقَاتِ كَاللَّوْحِ أَوْ الْهَوَاءِ فَهُوَ مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ، مُكَذِّبٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، مُتَّبِعٌ لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ مَا نَزَّلَهُ مِنْهُ، وَمَا نَزَّلَهُ مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ كَالْمَطَرِ بِأَنَّهُ قَالَ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الرعد: ١٧] ، فَذَكَرَ الْمَطَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَزَّلَهُ مِنْ السَّمَاءِ، وَالْقُرْآنُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْهُ، وَأَخْبَرَ بِتَنْزِيلٍ مُطْلَقٍ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: ٢٥] لِأَنَّ الْحَدِيدَ يَنْزِلُ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ لَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ الْحَيَوَانَ، فَإِنَّ الذَّكَرَ يُنْزِلُ الْمَاءَ فِي الْإِنَاثِ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنْ السَّمَاءِ.
وَلَوْ كَانَ جِبْرِيلُ أَخَذَ الْقُرْآنَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَكَانَ الْيَهُودُ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ لِمُوسَى التَّوْرَاةَ وَأَنْزَلَهَا مَكْتُوبَةً، فَيَكُونُ بَنُو إسْرَائِيلَ قَدْ قَرَءُوا الْأَلْوَاحَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ أَخَذَهُ عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ اللَّوْحِ،، فَيَكُونُ بَنُو إسْرَائِيلَ بِمَنْزِلَةِ جِبْرِيلَ، وَتَكُونُ مَنْزِلَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَرْفَعَ مِنْ مَنْزِلَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ مِنْ فَضَائِلِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، وَأَنَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ تِلَاوَةً لَا كِتَابَةً، وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا} [الإسراء: ١٠٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} [الفرقان: ٣٢] .
ثُمَّ إنْ كَانَ جِبْرِيلُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ اللَّهِ، وَإِنَّمَا وَجَدَهُ مَكْتُوبًا، كَانَتْ الْعِبَارَةُ عِبَارَةَ جِبْرِيلَ، وَكَانَ الْقُرْآنُ كَلَامَ جِبْرِيلَ، تَرْجَمَ بِهِ عَنْ اللَّهِ، كَمَا يُتَرْجَمُ عَنْ الْأَخْرَسِ الَّذِي كَتَبَ كَلَامًا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَهَذَا خِلَافُ دِينِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: ١٩] {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: ٢٠] قِيلَ لَهُ: فَقَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute