إلَى أَنْ قَالَ فَإِنَّ كَلِمَةَ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» فَهَلْ هَذَا نَاسِخٌ لِهَذَا أَمْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقٌّ، " وَلَوْ " تُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى وَجْهِ الْحُزْنِ عَلَى الْمَاضِي وَالْجَزَعِ مِنْ الْمَقْدُورِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٥٦] .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: «وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ - اللَّوْ - تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» أَيْ تَفْتَحُ عَلَيْك الْحُزْنَ وَالْجَزَعَ، وَذَلِكَ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ بَلْ اعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وَمَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: ١١] ، قَالُوا: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ " لَوْ " لِبَيَانِ عِلْمٍ نَافِعٍ، كَقَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] .
وَلِبَيَانِ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَإِرَادَتِهِ، كَقَوْلِهِ: " لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانٍ لَعَمِلْت مِثْلَ مَا يَعْمَلُ " وَنَحْوُهُ جَائِزٌ.
وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَدِدْت لَوْ أَنَّ مُوسَى صَبَرَ لِيَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا» هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَقَوْلِهِ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩] فَإِنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبَّ أَنْ يَقُصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمَا، فَذَكَرَهَا لِبَيَانِ مَحَبَّتِهِ لِلصَّبْرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ، فَعَرَّفَهُ مَا يَكُونُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ جَزَعٌ وَلَا حُزْنٌ وَلَا تَرْكٌ لِمَا يَجِبُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute