للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ فِعْلَهُ.

فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَاعِلًا لِلتَّحْرِيمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا مُنْكَرٌ.

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ.

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدُهَا أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ اعْتَقَدَهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً، أَوْ مِثْلُ مِنْ يَعْتَقِدَ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخٍ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ، أَوْ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، وَحُضُورِ السَّمَاعِ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقُهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَنْ هَذَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ فَمِثْلُ هَذَا مِمَّنْ يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ بِسَبَبِ هَوَاهُ هُوَ مَذْمُومٌ مَجْرُوحٌ خَارِجٌ عَنْ الْعَدَالَةِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُوجِبُ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلِ إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا وَيَفْهَمُهَا وَإِمَّا بِأَنْ تَرَى أَحَدَ رَجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ هُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُ فَيَرْجِعُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا فَهَذَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ.

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ.

وَلِهَذَا قَالَ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي خِلَافِهِ أَوْ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ أَبَاحَ الْمَحْظُورَ الَّذِي يُبَاحُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُذْرُ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ.

وَهُنَا مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْهَا لَكِنَّا نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهَا وَهُوَ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَكَذَلِكَ غَيْرُ هَذَا مَا يَذْكُرُهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ يَكُونُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَثِيرٌ مِنْهُ يَكُونُ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِمْ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَنْهُمْ، بَلْ قَدْ يَكُونُ خِلَافَ ذَلِكَ.

وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَامِّيَّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>