وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَحْلِيلُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِيجَابُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ رَجَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ الرَّسُولُ وَأَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
فَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ وَسَائِلُ وَطُرُقٌ وَأَدِلَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الرَّسُولِ يُبَلِّغُونَهُمْ مَا قَالَهُ وَيُفَهِّمُونَهُمْ مُرَادَهُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ يَخُصُّ اللَّهُ هَذَا الْعَالِمَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ.
وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] .
فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ حَكَمَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِالْفَهْمِ وَأَثْنَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا «وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» وَاجْتِهَادُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَحْكَامِ كَاجْتِهَادِ الْمُسْتَدِلِّينَ عَلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا كَانَ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ بِطَائِفَةٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْكَعْبَةَ هُنَاكَ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْأَرْبَعَةِ صَحِيحَةٌ، وَاَلَّذِي صَلَّى إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُصِيبُ الَّذِي لَهُ أَجْرَانِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» .
وَأَكْثَرُ النَّاسِ إنَّمَا الْتَزَمُوا الْمَذَاهِبَ بَلْ الْأَدْيَانَ بِحُكْمِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ كَمَا يَتْبَعُ الطِّفْلَ فِي الدِّينِ أَبَوَيْهِ وَسَادَتَهُ وَأَهْلَ بَلَدِهِ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَيْثُ كَانَتْ وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ إذَا قِيلَ لَهُمْ: اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، قَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَكُلُّ مَنْ عَدَلَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute