للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَدِدْت أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمِيَاهِ كَانَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَغَيَّرَتْ طَعْمَهُ، أَوْ لَوْنَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَنْجُسُ.

وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ» ضَعِيفٌ؟

فَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، فَإِذَا ظَهَرَ فِي الْمَاءِ الدَّمُ، أَوْ طَعْمُ الْمَيْتَةِ أَوْ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ لِذَلِكَ مُسْتَعْمِلًا لِهَذِهِ الْخَبَائِثِ. وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا لَمْ يَخُصَّ صُورَةَ التَّغَيُّرِ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْجُمْلَةِ: فَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ الَّتِي هِيَ الدَّمُ وَالْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ فِي الْمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَاسْتُهْلِكَتْ، لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ دَمٌ، وَلَا مَيْتَةٌ، وَلَا لَحْمُ خِنْزِيرٍ أَصْلًا كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِي الْمَائِعِ لَمْ يَكُنْ الشَّارِبُ لَهَا شَارِبًا لِلْخَمْرِ، وَالْخَمْرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ بِنَفْسِهَا وَصَارَتْ خَلًّا، كَانَتْ طَاهِرَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ النَّجَاسَةَ إذَا اسْتَحَالَتْ طَهُرَتْ أَقْوَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، فَإِنَّ انْقِلَابَ النَّجَاسَةِ مِلْحًا، وَرَمَادًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ: هُوَ كَانْقِلَابِهَا مَاءً، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَسْتَحِيلَ رَمَادًا، أَوْ مِلْحًا، أَوْ تُرَابًا، أَوْ مَاءً، أَوْ هَوَاءً، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لَنَا الطَّيِّبَاتِ، وَهَذِهِ الْأَدْهَانُ، وَالْأَلْبَانُ، وَالْأَشْرِبَةُ: الْحُلْوَةُ، وَالْحَامِضَةُ، وَغَيْرُهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَالْخَبِيثَةُ، قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ، وَاسْتَحَالَتْ فِيهَا، فَكَيْفَ يَحْرُمُ الطَّيِّبُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَمَنْ الَّذِي قَالَ إنَّهُ إذَا خَالَطَهُ الْخَبِيثُ، وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ، وَاسْتَحَالَ قَدْ حَرُمَ، وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ، لَا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>