صُورَتِهِ " بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَقَدْ أَخَذُوا مِنْ الْفَلَاسِفَةِ قَوْلَهُمْ: الْإِنْسَانُ هُوَ الْعَالِمُ الصَّغِيرُ، وَهَذَا قَرِيبٌ، وَضَمُّوا إلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَالِمُ الْكَبِيرُ؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ الْكُفْرِيِّ فِي وَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ.
فَالْإِنْسَانُ مِنْ بَيْنِ الْمَظَاهِرِ هُوَ الْخَلِيفَةُ، الْجَامِعُ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ دَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ الْمُخْرِجَةِ لَهُمْ إلَى الْفِرْعَوْنِيَّةِ، وَالْقَرْمَطِيَّةِ، وَالْبَاطِنِيَّةِ.
وَرُبَّمَا جَعَلُوا " الرِّسَالَةَ " مَرْتَبَةً مِنْ الْمَرَاتِبِ، وَأَنَّهُمْ أَعْظَمُ مِنْهَا فَيُقِرُّونَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ؛ وَبِالرِّسَالَةِ، وَيَصِيرُونَ فِي الْفِرْعَوْنِيَّةِ.
هَذَا إيمَانُهُمْ.
أَوْ يَخْرُجُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ أَنْ يَصِيرُوا (سُدًى) لَا أَمْرَ عَلَيْهِمْ وَلَا نَهْيَ؛ وَلَا إيجَابَ وَلَا تَحْرِيمَ.
وَاَللَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ خَلِيفَةٌ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، قَالَ: لَسْت بِخَلِيفَةِ اللَّهِ وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسْبِي ذَلِكَ.
بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ خَلِيفَةً لِغَيْرِهِ.
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا» وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ حَيٌّ، شَهِيدٌ، مُهَيْمِنٌ، قَيُّومٌ، رَقِيبٌ، حَفِيظٌ، غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ، وَلَا ظَهِيرٌ، وَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
وَالْخَلِيفَةُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَخْلَفِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ، وَيَكُونُ لِحَاجَةِ الْمُسْتَخْلِفِ، إلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَسُمِّيَ " خَلِيفَةً " لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْغَزْوِ، وَهُوَ قَائِمٌ خَلْفَهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا؛ فَإِنَّهُ حَيٌّ قَيُّومٌ شَهِيدٌ، لَا يَمُوتُ وَلَا يَغِيبُ، وَهُوَ غَنِيٌّ يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، يَرْزُقُ عِبَادَهُ، وَيَنْصُرُهُمْ، وَيَهْدِيهِمْ، وَيُعَافِيهِمْ: بِمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَلْقِهِ، وَاَلَّتِي هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ كَافْتِقَارِ الْمُسَبَّبَاتِ إلَى أَسْبَابِهَا.
فَاَللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ خَلَفًا مِنْهُ، وَلَا