للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قَدْ نَهَوْا النَّاسَ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَذَا رَأْيِي فَمَنْ جَاءَ بِرَأْيٍ خَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ، وَلِهَذَا لَمَّا احْتَجَّ أَفْضَلُ أَصْحَابِهِ أَبُو يُوسُفَ، أَتَى مَالِكًا فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّاعِ وَصَدَقَةِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَمَسْأَلَةِ الْأَجْنَاسِ.

فَأَخْبَرَهُ مَالِكٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: رَجَعْت إلَى قَوْلِك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَلَوْ رَأَى صَاحِبِي مَا رَأَيْت لَرَجَعَ كَمَا رَجَعْت إلَى قَوْلِك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ.

وَمَالِكٌ كَانَ يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَاعْرِضُوا قَوْلِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.

وَالشَّافِعِيُّ كَانَ يَقُولُ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُجَّةَ مَوْضُوعَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَهِيَ قَوْلِي.

وَفِي " مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ " لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَصَرَهُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ مَذْهَبِهِ قَالَ: مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا، وَلَا الشَّافِعِيَّ، وَلَا الثَّوْرِيَّ، وَتَعَلَّمْ كَمَا تَعَلَّمْنَا فَكَانَ يَقُولُ لِمَنْ قَلَّدَهُ: حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ فِي دِينِهِ الرِّجَالَ، وَقَالَ: لَا تُقَلِّدْ فِي دِينِكَ الرِّجَالَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا مِنْ أَنْ يَغْلَطُوا.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَلَازِمُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا فَيَكُونُ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ فَرْضًا.

وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَدِلَّتِهَا السَّمْعِيَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَفَقِّهًا فِي الدِّينِ، لَكِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، لَا كُلُّ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ التَّفَقُّهِ وَيَلْزَمُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ فَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>