وَقَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْهَبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْهَبُهَا مُؤْمِنٌ» .
وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ وَكَوْنَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ خِيَارِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ إنَّهُ صَارَ كَافِرًا، وَلَا مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
فَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُطْلَقَ فِي بَابِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عِقَابٍ، هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبِ الْمَحَارِمَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْكَبَائِرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، إذْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى تِلْكَ الْكَبِيرَةِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، أَوْ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ، فَإِنَّ تَرْكَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى: كَامِلٍ وَمُجَزَّإٍ، ثُمَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ الْغُسْلِ الْكَامِلِ إلَى الْمُجَزَّإِ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا، فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ نَفَى الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ فَقَدْ غَلِطَ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ، وَلَكِنْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢] إلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٤] .
وَمِثْلُ الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ: «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute