الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جِنْسُهُ مَشْرُوعٌ.
وَإِنَّمَا النَّهْيُ لِوَصْفٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَرْقٌ مَعْقُولٌ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الشَّرْعِ.
فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ: الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ صِفَةٌ فِي الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ، وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ.
قِيلَ: وَالصِّفَةُ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ كَالصِّفَةِ فِي فَاعِلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي عَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى أَوْ فِي غَيْرِ مِنًى وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ هُوَ الصِّفَةُ فِي الْجِهَةِ لَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ.
وَلَوْ صَامَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ هَذَا زَمَانًا، فَإِذَا قِيلَ: اللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا.
قِيلَ: وَيَوْمُ الْعِيدِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا، فَالْفَرْقُ بَيْنَ فِعْلَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَرْقًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ مَعْقُولًا.
وَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ.
فَحَيْثُ عُلِّقَ بِهِ الْحِلُّ أَوْ الْحُرْمَةُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِفُرُوقٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ فِي الْقِيَاسِ: إنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ فِي الْوَصْفِ لَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ يُمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ وَصْفًا يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ قَدْ يُفَرِّقُ بِوَصْفٍ يَدَّعِي انْتِقَاضَهُ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ لَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِمْ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَوْ ذَاكَ لِمَعْنًى فِي وَصْفِهِ دُونَ أَصْلِهِ.
وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ النَّهْيُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ.
وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا كَمَا يُنْهَى الْمُحْرِمُ عَمَّا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِثْلُ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الْعِمَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَيُنْهَى عَنْ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ، وَيُنْهَى عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَيُنْهَى مَعَ ذَلِكَ عَنْ الزِّنَا، وَعَنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِيمَا مَلَكُوهُ مِنْ الصَّيْدِ.
وَحِينَئِذٍ فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ أَعْظَمُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ