وَالثَّانِيَةُ فِي تَوْحِيدِ الْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ؛ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: ٣] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّوْحِيدَ وَقَالَ فِي الثَّانِي {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: ٢] {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: ٣] {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الكافرون: ٤] {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: ٥] {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ.
" وَالْعِبَادَةُ " أَصْلُهَا الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ.
وَالْعِبَادَةُ إذَا أُفْرِدَتْ دَخَلَ فِيهَا التَّوَكُّلُ وَنَحْوُهُ، وَإِذَا قُرِنَتْ بِالتَّوَكُّلِ صَارَ التَّوَكُّلُ قَسِيمًا لَهَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي لَفْظِ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَدْخُلُ فِيهِ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورَاتِ؛ وَالتَّوَكُّلُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] وَقَالَ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣] .
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ: تَتَنَوَّعُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ بِحَسَبِ الْإِفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ؛ كَلَفْظِ " الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ " فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١] وَقَالَ: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: ١٥٧] فَالْمُنْكَرُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَرِهَهُ اللَّهُ؛ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ.
وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute