للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَفْعُولَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْرَهَهَا، بَلْ هِيَ مِمَّا يُحِبُّهَا فَإِنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. فَكَرَاهَةُ هَذَا مِنْ نَوْعِ اتِّبَاعِ الْإِرَادَةِ الْمُزَاحِمَةِ لِلْإِلَهِيَّةِ. فَعَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُحَقِّقَ تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ فَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ مَا يُحِبُّ وَنَرْضَى مَا يَرْضَى وَنَأْمُرَ بِمَا يَأْمُرُ وَنَنْهَى عَمَّا يَنْهَى. فَإِذَا كَانَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فَعَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُمْ؛ وَلَا نَأْلَهَ مُرَادَاتِنَا الْمُخَالِفَةَ لِمُحَابِّهِ.

وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى " أَصْلٍ ": وَهُوَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَعْصُومُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَفِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أُوتُوهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧] .

وَقَالَ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: ١٧٧] . وَقَالَ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥] .

بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ كَمَا عُصِمَ الْأَنْبِيَاءُ، وَلَوْ كَانُوا أَوْلِيَاءَ لِلَّهِ، وَلِهَذَا مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قُتِلَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَمَنْ سَبَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يُقْتَلْ.

وَهَذِهِ الْعِصْمَةُ الثَّابِتَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ هِيَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّ " النَّبِيَّ " هُوَ الْمُنَبِّئُ عَنْ اللَّهِ، " وَالرَّسُولَ " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَيْسَ كُلِّ نَبِيٍّ رَسُولًا، وَالْعِصْمَةُ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنْ اللَّهِ ثَابِتَةٌ فَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>