فَيَجْرِي مَجْرَى الذِّكْرِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ وِفَاقًا الْقَاضِي، وَجَعَلَهَا أَوْلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ فَتُقَارِبُ مَسْأَلَةَ الْخَلَاءِ، فَإِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ذِكْرٌ لِلَّهِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ أَذْكَارِ الْمُخَافَتَةِ لَكِنْ لَا يَجْهَرُ بِهِ كَمَا يَجْهَرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، لَيْسَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ نَفْسَهُ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخَلَاءِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا فِي نَفْسِهِ بِلَا لَفْظٍ، وَالثَّانِيَةُ بِاللَّفْظِ. وَيُكْرَهُ السَّلْتُ، وَالنَّثْرُ، وَلَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ وَالْمَشْيِ، وَالتَّنَحْنُحُ عَقِيبَ الْبَوْلِ بِدْعَةٌ، وَيَجْزِي الِاسْتِجْمَارُ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ فِي وَالصَّفْحَتَيْنِ وَالْحَشَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ بِجَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ.
وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ تَقْدِيرٌ، وَيَجْزِي بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ.
قُلْت: وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي، بَلْ لِإِفْسَادِهِ، فَإِذَا قِيلَ: يَزُولُ بِطَعَامِنَا مَعَ التَّحْرِيمِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
وَلَا يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ لَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي وِعَاءٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبَوْلِ حَوْلَ الْبِرْكَةِ فِي الْمَسْجِدِ: هَذَا يُشْبِهُ الْبَوْلَ فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ، فَأَمَّا اتِّخَاذُهُ مَبَالًا فَلَا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْمَسْجِدِ ضَحَايَا وَلَا غَيْرَهَا، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّخِذَ. الْمَسْجِدَ طَرِيقًا. فَكَيْفَ إذَا اتَّخَذَهُ الْكَافِرُ طَرِيقًا، وَيَحْرُمُ مَنْعُ الْمُحْتَاجِ إلَى الطَّهَارَةِ وَلَوْ وُقِفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي رِبَاطٍ وَلَوْ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهَا بِمُوجِبِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ مَبْذُولَةٌ لِلْمُحْتَاجِ، وَلَوْ قَدَّرْت أَنَّ الْوَاقِفَ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّمَا يَسُوغُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ، وَإِلَّا فَيَجِبُ بَذْلُ الْمَنَافِعِ الْمُحْصَنَةِ لِلْمُحْتَاجِ كَسُكْنَى دَارِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِمَا حَوَتْهُ، وَلَا أُجْرَةَ لِذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ الْخَلَاءِ إنْ حَصَلَ مِنْهُمْ تَضْيِيقٌ، أَوْ فَسَادُ مَاءٍ، أَوْ تَنْجِيسٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ ضَرَرٌ، وَلَهُمْ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ مُزَاحَمَتُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute