وَلَكِنْ جَهْلًا وَإِعْرَاضًا عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ سَمَاعِ إيجَابِ هَذَا، وَتَحْرِيمِ هَذَا، وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ إعْرَاضًا لَا كُفْرًا بِالرِّسَالَةِ، فَإِنَّ هَذَا تَرَكَ الِاعْتِقَادَ الْوَاجِبَ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَرَكَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ، فَهَلْ يَكُونُ حَالُ هَذَا إذَا تَابَ فَأَقَرَّ بِالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ تَصْدِيقًا وَالْتِزَامًا، بِمَنْزِلَةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا كَالْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَزَمْنَا بِصِحَّتِهِ فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا بِأَسْوَإِ حَالًا مِنْ الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ، وَالتَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ يَهْدِمَانِ مَا قَبْلَهُمَا، وَلَا تَلْزَمُ الصَّلَاةُ صَبِيًّا وَلَوْ بَلَغَ عَشَرًا، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَثَوَابُ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ لَهُ.
قُلْت: وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ، وَفِي " الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ": يَلْزَمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَمَنْ كَفَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ الْأَصْوَبُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ كَإِبْلِيسَ؛ وَتَارِكُ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَفَرَضَهَا مُتَأَخِّرُو الْفُقَهَاءِ.
مَسْأَلَةٌ يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا: وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَدُعِيَ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ ثَلَاثًا مَعَ تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى قُتِلَ، هَلْ يَمُوتُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَهَا وَلَا يَفْعَلَهَا، وَيَصْبِرُ عَلَى الْقَتْلِ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ قَطُّ.
وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَيَنْبَغِي الْإِشَاعَةَ عَنْهُ بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَلَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ. وَالْمَحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ أَقْرَبُ إلَى الرَّحْمَةِ مِمَّنْ لَمْ يُصَلِّهَا وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ.
وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِغَيْرِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ الْعَادِمُ لِلْمَاءِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ، بَلْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِرَاءَةِ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute