وَحَالِ تَعَذُّرِهِ، وَكَمَا يُفَرَّقُ فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ بَيْنَ حَالِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ، فَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى شَيْءٍ شَاخِصٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي شُخُوصُهُ، وَلَوْ أَنَّهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ كَالْعَتَبَةِ الَّتِي لِلْبَابِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْبَابِ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا، لَكِنْ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مَنْصُوبٌ كَالسُّتْرَةِ صَحَّتْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي ارْتِفَاعُ الْعَتَبَةِ وَنَحْوِهَا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ، لِأَنَّهَا السُّتْرَةُ الَّتِي قَدَّرَ بِهَا الشَّارِعُ السُّتْرَةَ الْمُسْتَحَبَّةَ، فَلَأَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهَا فِي الْوَاجِبِ أَوْلَى ثُمَّ إنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ الَّتِي فَوْقَ السَّطْحِ وَنَحْوِهِ بِنَاءً أَوْ خَشَبَةً مُسَمَّرَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يُتْبَعُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَبِنٌ وَآجُرٌّ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، أَوْ خَشَبَةٌ مَعْرُوضَةٌ غَيْرُ مُسَمَّرَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قِبْلَةً فِيمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ سُتْرَةً فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ شَاخِصٌ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِكُلِّ مَا يَكُونُ قِبْلَةً وَسُتْرَةً، فَإِنَّ الْخَشَبَ وَالسُّتُورَ الْمُعَدَّةَ عَلَيْهَا لَا يُتْبَعُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ.
قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِمَا نَصَبَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يُتْبَعْ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ بِالْمُصَلِّي إلَى الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَاطِنِهَا، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُتَوَجَّهَ إلَى جُزْءٍ مِنْهَا أَوْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ جَمِيعَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْوَاضِحِ " وَأَبُو الْمَعَالِي: لَوْ صَلَّى إلَى الْحِجْرِ مَنْ فَرْضُهُ الْمُعَايَنَةُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُشَاهَدَةِ، وَالْعِيَانِ، لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَإِنَّمَا وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْبَيْتِ فَعُمِلَ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ فِي وُجُوبِ الطَّوَافِ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ لِلصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَتَيْنِ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": يَجُوزُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَوَجَّهَ إلَى حَائِطِ الْكَعْبَةِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَبِعِيَانِ مَنْ شَاهَدَهُ مِنْ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ لَمَّا نَقَضَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ: لَا يُصَلِّي فِي الْحِجْرِ، الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute