فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَالنَّفْخِ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُبْطِلَ، فَإِنَّ النَّفْخَ أَشْبَهُ بِالْكَلَامِ مِنْ هَذِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِالْقَهْقَهَةِ إذَا كَانَ فِيهَا أَصْوَاتٌ عَالِيَةٌ تُنَافِي الْخُشُوعَ الْوَاجِبَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهَا مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَالتَّلَاعُبِ مَا يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ فَأُبْطِلَتْ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهَا كَلَامًا.
وَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَالْبَهِيمُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَئِمَّةِ إذَا غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي " الْإِحْيَاءِ " وَتَبِعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَبْطُلُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى مَا عَلِمَهُ بِقَلْبِهِ فَلَا يُكَفَّرُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ إلَّا بِقَدْرِهِ، فَالْبَاقِي يَحْتَاجُ إلَى تَكْفِيرٍ، فَإِذَا تَرَكَ وَاجِبًا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ.
فَإِذَا كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ سَدَّ مَسَدَهُ، فَكَمَّلَ ثَوَابَهُ، وَهَذَا كَلَامُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْصِدُ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ مَعَ الْوَسْوَاسِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ الَّذِي لَا يُصَلِّي إلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَهَذَا عَمَلُهُ حَابِطٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ ثَوَابٌ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ عِقَابٌ، وَابْنُ حَامِدٍ وَنَحْوُهُ سَدَّدَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ.
فَإِنَّ كِلَيْهِمَا إنَّمَا تُسْقِطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ الْقَتْلَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَلَا تُرْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ فِي الصَّلَاةِ خَطَأٌ.
وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي إنْ كَانَ يُحْسِنُ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُثَابُ عَلَى عَمَلٍ مَشُوبٍ إجْمَاعًا، وَمَنْ صَلَّى لِلَّهِ ثُمَّ حَسَّنَهَا وَأَكْمَلَهَا لِلنَّاسِ أُثِيبَ عَلَى مَا أَخْلَصَهُ لِلَّهِ لَا عَلَى مَا عَمِلَهُ لِلنَّاسِ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا.
وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَلَامِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا مِمَّا إذَا أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ لَحْنًا غَيْرَ مُخِلٍّ لِلْمَعْنَى عَجْزًا، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَذْهَبَ إلَى النَّعْلِ، فَيَأْخُذَهُ وَيَقْتُلُ بِهِ الْحَيَّةَ أَوْ الْعَقْرَبَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى مَكَانِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُصَلِّي مِنْ الْأَفْعَالِ، وَكَانَ أَبُو بَرْزَةَ وَمَعَهُ فَرَسُهُ وَهُوَ يُصَلِّي كُلَّمَا خَطَا يَخْطُو مَعَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَنْفَلِتَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَرْزَةَ فَلَا بَأْسَ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ