فَكَيْفَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ آيَةُ الْوُضُوءِ مَعَ كَوْنِ الْوُضُوءِ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَسْحُ فِيهِ بِالْمَاءِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ التَّكْرَارُ؟ هَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِإِجْزَاءِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ، أَوْ دَالَّةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَهُوَ خَطَأٌ أَخْطَأَهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَعَلَى اللُّغَةِ. وَعَلَى دَلَالَةِ الْقُرْآنِ، وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ إلَّا لِفَائِدَةٍ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ أَفَادَتْ قَدْرًا زَائِدًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] .
فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ: يَشْرَبُ مِنْهَا، لَمْ تَدُلَّ عَلَى الرَّيِّ، فَضَمَّنَ يَشْرَبُ، مَعْنَى يُرْوَى. فَقِيلَ: يَشْرَبُ بِهَا، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّهُ شُرْبٌ يَحْصُلُ مَعَهُ الرَّيُّ، وَبَابُ تَضْمِينِ الْفِعْلِ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ حَتَّى يَتَعَدَّى بِتَعَدِّيَتِهِ كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: ٢٤] . وَقَوْلِهِ: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: ٧٧] . وَقَوْلِهِ: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩] .
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ يُغْنِي عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ عَمَّا يَتَكَلَّفُونَهُ الْكُوفِيُّونَ مِنْ دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُرُوفِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ، لَوْ قَالَ: فَامْسَحُوا رُءُوسَكُمْ أَوْ وُجُوهَكُمْ، لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَا يَلْتَصِقُ بِالْمَسْحِ، فَإِنَّك تَقُولُ: مَسَحْت رَأْسَ فُلَانٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِك بَلَلٌ. فَإِذَا قِيلَ: فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَبِوُجُوهِكُمْ، ضَمَّنَ الْمَسْحَ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ، فَأَفَادَ أَنَّكُمْ تُلْصِقُونَ بِرُءُوسِكُمْ وَبِوُجُوهِكُمْ شَيْئًا بِهَذَا الْمَسْحِ.
وَهَذَا يُفِيدُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَلْتَصِقَ الصَّعِيدُ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute