نَقَلَ الزَّكَاةَ إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ بِالْمِصْرِ الْجَامِعِ مِثْلُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ بِالْقَاهِرَةِ مِنْ الْعُشُورِ الَّتِي بِأَرْضِ مِصْرَ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ فَإِنَّ سُكَّانَ الْمِصْرِ إنَّمَا يُعَانُونَ مِنْ مَزَارِعِهِمْ بِخِلَافِ النَّقْلِ مِنْ إقْلِيمٍ مَعَ حَاجَةِ أَهْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهَا وَإِنَّمَا قَالَ السَّلَفُ: جِيرَانُ الْمَالِ أَحَقُّ بِزَكَاتِهِ وَكَرِهُوا نَقْلَ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ لِيَكْتَفِيَ كُلُّ نَاحِيَةٍ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَلِهَذَا فِي كِتَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافٍ إلَى مِخْلَافٍ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ فِي مِخْلَافِ جِيرَانِهِ وَالْمِخْلَافُ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ الْمُعَامَلَةُ وَهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَهُوَ الَّذِي يَسْتَخْلِفُ فِيهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ جَابِيًا بِأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَلَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِمَسِيرِ يَوْمَيْنِ، وَتَحْدِيدُ الْمَنْعِ مِنْ نَقْلِ الزَّكَاةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَيَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَدْفُوعِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: يُتَوَجَّهُ قَبُولُ قَوْلِ الْمُعْطِي لِأَنَّهُ كَالْأَمِينِ وَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ ظُلْمًا بِلَا تَأْوِيلٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى شَرِيكِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الرُّجُوعُ وَكَذَلِكَ فِي الْمَظَالِمِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْوُلَاةُ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ الظَّلَمَةِ مِنْ الْبُلْدَانِ أَوْ التُّجَّارِ أَوْ الْحَجِيجِ أَوْ غَيْرِهِمْ.
وَالْكُلَفُ السُّلْطَانِيَّةُ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَمْوَالِ يَلْزَمُهُمْ الْتِزَامَ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ فِيمَا يُؤْخَذُ بِحَقٍّ. فَمَنْ تَغَيَّبَ أَوْ امْتَنَعَ فَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ حِصَّتَهُ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ وَلِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ أَنْ يَصْرِفَ مِمَّا يَخُصُّهُ مِنْ الْكُلَفِ كَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ وَمَنْ قَامَ فِيهَا بِنِيَّةِ تَقْلِيلِ الظُّلْمِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ صُودِرَ عَلَى أَدَاءِ مَالٍ وَأُكْرِهَ أَقَارِبُهُ أَوْ جِيرَانُهُ أَوْ أَصْدِقَاؤُهُ أَوْ شُرَكَاؤُهُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهُ عَنْهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلِأَجْلِ مَالِهِ وَالطَّالِبُ مَقْصُودُهُ مَالُهُ لَا مَالُهُمْ وَمَنْ لَمْ يَخْلُصْ مَالُ غَيْرِهِ مِنْ التَّلَفِ إلَّا بِمَا أَدَّى عَنْهُ رَجَعَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ الْوَاجِبِ بِتَأْوِيلٍ أَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ فَالصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَدَمَهُ وَجَعَلَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَالصَّلَاةِ خَلْفَ التَّارِكِ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute