قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ سَائِرِ حُقُوقِهَا مِنْ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ الْعِوَضَ عَنْ حَقِّهِ مِنْهَا جَازَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعِوَضَ عَنْ حَقِّهَا مِنْهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ بَدَنِيَّةٌ.
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَبْذُلَ الْمَرْأَةُ الْعِوَضَ لِيَصِيرَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَ كَمَا يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ حَبْسَهَا وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الرِّقِّ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَقَدْ تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الصُّلْحَ عَنْ الشُّفْعَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَوْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَأْثَمُ وَيَقْضِي وَالْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَإِذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ وَلِيُّهَا أَنَّ الزَّوْجَ يَظْلِمُهَا، وَكَانَ الْحَاكِمُ وَلِيَّهَا وَخَافَ ذَلِكَ، نَصَّبَ الْحَاكِمُ مُشْرِفًا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمَسْأَلَةُ نَصْبِ الْمُشْرِفِ لَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيِّ وَالْقُدَمَاءُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ إذَا وَقَعَتْ الْعَدَاوَةُ وَخِيفَ الشِّقَاقُ بُعِثَ الْحَكَمَانِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَصْبِ مُشْرِفٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكَمَاءُ أَجْنَبِيَّيْنِ وَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِمَا وَوُجُوبُ كَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِهِمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَهُ كَمَا اشْتَرَطَ الْأَمَانَةَ وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَخْبَرُ بِالْعِلَلِ الْبَاطِنَةِ وَأَقْرَبُ إلَى الْأَمَانَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَظَرٌ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا سِيَّمَا إنْ جَعَلْنَاهُمَا حَاكِمَيْنِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَهَلْ لِلْحَكَمَيْنِ إذَا قُلْنَا هُمَا حَاكِمَانِ لَا وَكِيلَانِ أَنْ يُطَلِّقَا ثَلَاثًا أَوْ يَفْسَخَا كَمَا فِي الْمُوَلَّى قَالُوا هُنَاكَ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ مَلَكَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ فَيُتَوَجَّهُ هُنَا كَذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُمَا حَاكِمَانِ وَإِنْ قُلْنَا وَكِيلَانِ لَمْ يَمْلِكَا إلَّا مَا وُكِّلَا فِيهِ وَأَمَّا الْفَسْخُ، فَلَا يُتَوَجَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَاكِمًا أَصْلِيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute