وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: ٤٠] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤١] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: ٢٦] .
وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُرْدِ ظَانًّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْجَمَالِ الْإِلَهِيِّ، وَجَعَلَ هَذَا طَرِيقًا لَهُ إلَى اللَّهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُدَّعِينَ لِلْمَعْرِفَةِ، فَقَوْلُهُ هَذَا أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوْلِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ، وَمِنْ كُفْرِ قَوْمِ لُوطٍ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الزَّنَادِقَةِ الْمُرْتَدِّينَ، الَّذِينَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ بِإِجْمَاعِ كُلِّ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] . وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ اللَّهَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَصْنَامِ وَحَالًّا فِيهَا فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِظُهُورِهِ وَتَجَلِّيهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَيْهِ وَآيَاتٌ لَهُمْ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ ظَهَرَ فِيهَا، وَتَجَلَّى فِيهَا، وَيُشَبِّهُونَ ذَلِكَ بِظُهُورِ الْمَاءِ فِي الزُّجَاجَةِ، وَالزُّبْدِ فِي اللَّبَنِ، وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ، وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي حُلُولَ نَفْسِ ذَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ أَوْ اتِّحَادِهِ بِهَا فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ نَظِيرُ مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ خَاصَّةً، يَجْعَلُونَ الْمُرْدَ مَظَاهِرَ الْجَمَالِ، فَيُقِرُّونَ هَذَا الشِّرْكَ الْأَعْظَمَ طَرِيقًا إلَى اسْتِحْلَالِ الْفَوَاحِشِ، بَلْ إلَى اسْتِحْلَالِ كُلِّ مُحَرَّمٍ.
كَمَا قِيلَ لِأَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ التِّلِمْسَانِيِّ: إذَا كَانَ قَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ هُوَ الْحَقُّ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّي وَأُخْتِي، وَابْنَتِي؟ تَكُونُ هَذِهِ حَلَالًا، وَهَذِهِ حَرَامًا؟ فَقَالَ: الْجَمِيعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، لَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا: حَرَامٌ فَقُلْنَا: حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. وَمَنْ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ، وَالِاتِّحَادِيَّةِ مَنْ يَخُصُّ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ، إمَّا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَالْمَسِيحِ أَوْ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، كَقَوْلِ الْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ؛ أَوْ بِبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute