تَلْزَمُنِي أَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ انْعَقَدَتْ بِلَا نِيَّةٍ وَيُتَوَجَّهُ أَيْضًا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ يَعْرِفُهَا وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ بَطَّةَ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَلَوْ قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت كَذَا أُلْزِمُهُ يَمِينُ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: قِيَاسُ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي أَنْ لَا تَنْعَقِدَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إلَّا بِالنِّيَّةِ وَجَمْعِ الْمُسْلِمِينَ. كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَأَنَّهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ.
وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ لَأَفْعَلَنَّ فَيَمِينٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَامُ الْقَسَمِ فَلَا تُذْكَرُ إلَّا مَعَهُ مُظْهَرًا أَوْ مُقَدَّرًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِنْ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَهُ نَاسِيًا
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا ذُهُولٌ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا يُحَنِّثَانِ النَّاسِيَ وَلَا يُحَنِّثَانِ هَذَا لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ بِلَا شَكٍّ وَهَذِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْيَمِينَ عَلَى شَيْءٍ تُغَيِّرُهُ عَنْ صِفَتِهِ بِحَيْثُ تُوجِبُ إيجَابًا أَوْ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ وَيَجِبُ إبْرَارُ الْقَسَمِ عَلَى مُعَيَّنٍ.
وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ وَسَبَبُ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَبَبِ الشِّرْكِ. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِمَخْلُوقٍ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْتَزَمَ لِلَّهِ كَمَا يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ وَالِالْتِزَامُ لِلَّهِ أَبْلَغُ مِنْ الِالْتِزَامِ بِهِ بِدَلِيلِ النَّذْرِ لَهُ وَالْيَمِينِ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ تُنْكِرْ الصَّحَابَةُ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ.
وَالْعُهُودُ وَالْعُقُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ فَإِذَا قَالَ أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ وَإِنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ لَا نَذْرٌ فَالْأَيْمَانُ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعُقُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ كُلٌّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute