يَوْمُ السَّبْتِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: ١٦٣] .
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ تَعْمَلَ شَيْئًا يَوْمَ السَّبْتِ، فَاشْتَهَى بَعْضُهُمْ السَّمَكَ، فَجَعَلَ يَحْتَفِرُ الْحَفِيرَةَ، وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إلَى الْبَحْرِ إذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَيُرِيدُ الْحُوتُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يُطِيقُ مِنْ أَجْلِ قِلَّةِ مَاءِ النَّهْرِ، فَيَمْكُثُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ جَاءَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَشْوِي السَّمَكَ فَيَجِدُ جَارُهُ رِيحَهُ، فَيُخْبِرُهُ فَيَصْنَعُ مِثْلَ مَا صَنَعَ جَارُهُ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَنْصِبُونَ الْحَبَائِلَ وَالشُّصُوصَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُخْرِجُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا فَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَلَمْ يُنْزِلْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَتَجَرَّءُوا عَلَى الذَّنْبِ، وَقَالُوا: مَا نَرَى السَّبْتَ إلَّا أُحِلَّ لَنَا، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفًا أَمْسَكَ وَنَهَى، وَصِنْفًا أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهَ، وَصِنْفًا انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَتَمَامُ الْقِصَّةِ مَشْهُورٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] . قَالَ: رَمَوْهَا فِي السَّبْتِ، ثُمَّ أَرْجَئُوهَا فِي الْمَاءِ فَاسْتَخْرَجُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَطَبَخُوهَا فَأَكَلُوهَا فَأَكَلُوا - وَاَللَّهِ - أَوْخَمَ أَكْلَةٍ أُكِلَتْ أَسْرَعَتْ فِي الدُّنْيَا عُقُوبَةً وَأَسْرَعَتْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ، وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ لُحُومُ تِلْكَ الْحِيتَانِ بِأَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دِمَاءِ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ عَجَّلَ لِهَؤُلَاءِ وَأَخَّرَ لِهَؤُلَاءِ.
فَقَوْلُ الْحَسَنِ: رَمَوْهَا فِي السَّبْتِ، يَعْنِي: احْتَالُوا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْمَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ، كَمَا بَيَّنَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ حَفَرُوا لَهَا حِيَاضًا، ثُمَّ فَتَحُوهَا عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ رَمَوْا الْحَبَائِلَ يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ أَخَّرُوهَا فِي الْمَاءِ إلَى يَوْمِ الْأَحَدِ، فَاسْتَخْرَجُوهَا بِالْحِيتَانِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ بَاشَرُوا إلْقَاءَهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ اجْتَرَءُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute