وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْ أَصْحَابِهَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ تَحْرِيمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهِ.
ثُمَّ رَأَيْت هَذَا الْمَعْنَى قَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» . هَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: وَإِسْنَادُهُمَا وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِمَّا نَقَلَهُ الْعُلَمَاءُ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْتِ اعْتَدَوْا بِالِاحْتِيَالِ الَّذِي تَأَوَّلُوهُ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُعَارِضُهُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا قَدْ يُنْقَلُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ اصْطَادُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا نُقِلَ مِنْ أَنَّهُمْ اصْطَادُوا مُتَأَوِّلِينَ بِنَوْعٍ مِنْ الْحِيلَةِ وَهَذَا النَّقْلُ الْمُفَسَّرُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ النَّقْلَ الْمُجْمَلَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَعَلَتْهُ طَائِفَةٌ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَنْقُولَاتِ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٦٦] . قَالُوا: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعَالِهِمْ، وَقَالُوا: نَكَالًا عُقُوبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَعِبْرَةً لِمَا بَعْدَهَا، كَمَا قَالَ فِي السَّارِقِ: {نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨] . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّكَالِ الْعِبْرَةَ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: ٣٨] .
فَإِذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ نَكَّلَ بِعُقُوبَةِ هَؤُلَاءِ سَائِرَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَوَعَظَ بِهَا الْمُتَّقِينَ، فَحَقِيقٌ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْذَرَ اسْتِحْلَالَ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الْعُقُوبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي، ثُمَّ مِمَّا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ الَّتِي احْتَالَهَا أَصْحَابُ السَّبْتِ فِي الصَّيْدِ قَدْ اسْتَحَلَّهَا طَوَائِفُ مِنْ الْمُفْتِينَ حَتَّى تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى بَعْضِ الْحِيلَةِ، فَقَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا نَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شِصًّا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لِيَقَعَ فِيهِ الصَّيْدُ بَعْدَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ حِلِّهِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute