للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْيَسُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ فَرَدَّهُ وَقَالَ: «إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» .

وَكَذَلِكَ صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَصَحَّ عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، لَمَّا صَادَ لَحْمَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، فَأَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ الْمُحْرِمِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ وَلَا مَحْمَلَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَاحَهُ لِمُحْرِمٍ لَمْ يُصَدْ لَهُ، وَرَدَّهُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ صِيدَ لَهُ.

وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى تَحْرِيمِ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى إبَاحَتِهِ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَقْيَسَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَقَاصِدَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] .

فَحَرَّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْبَرِّ دُونَ طَعَامِهِ، وَصَيْدُهُ مَا صِيدَ مِنْهُ حَيًّا وَطَعَامُهُ مَا كَانَ قَدْ مَاتَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ أَكْلَ لَحْمِهِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] .

وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالصَّيْدِ نَفْسَ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمُحَرَّمُ وَلَوْ قَصَدَ تَحْرِيمَهُ مُطْلَقًا لَقَالَ: لَحْمُ الصَّيْدِ، كَمَا قَالَ: لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، فَلَمَّا بَيَّنَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ، وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْحَرَامِ وَذَبَحَهُ لِأَجْلِهِ، كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَوْ أَنَّهُ اصْطَادَهُ اصْطِيَادًا مُطْلَقًا، وَذَبَحَهُ لَكَانَ حَلَالًا لَهُ، وَلِلْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّ الِاصْطِيَادَ وَالزَّكَاةَ عَمَلٌ حِسِّيٌّ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِيهِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.

عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْرِيمِ الْعَيْنِ الَّتِي تُبَاحُ بِدُونِ الْقَصْدِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ فَفِي الْأَقْوَالِ وَالْعُقُودِ أَوْلَى، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا صَادَ الصَّيْدَ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِدَلَالَتِهِ، أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ ظَهَرَ بِهِ تَحْرِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>