للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا.

وَالْأَحْكَامُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى، أَوْ اسْتَأْجَرَ، أَوْ اقْتَرَضَ وَنَوَى أَنَّ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ، أَوْ لِمُوَلِّيهِ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَهُ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْعَاقِدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَمَلَّكَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَوَى أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ لَمَّا اشْتَرَكَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ. نَعَمْ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ، لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ فَافْتَقَرَ الْعَقْدُ إلَى تَعْيِينِهِ لِذَلِكَ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَعْقُودًا لَهُ.

وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِمَالِكَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عِنْدَ تَغَيُّرِ النِّيَّةِ ثَبَتَ أَنَّ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرًا فِي التَّصَرُّفَاتِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا، أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْوِي التَّبَرُّعَ وَالْهِبَةَ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ بِالْبَذْلِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِإِذْنِهِ وِفَاقًا، وَبِغَيْرِ، إذْنِهِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ.

فَصُورَةُ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ، هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، أَوْ مِنْ بَابِ أَكْثَرِ التَّبَرُّعَاتِ بِالنِّيَّةِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ مَالًا رِبَوِيًّا بِمِثْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَتَقَابَضَا، وَجَوَّزَ الدَّفْعَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ هَذَا يَقْبِضُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يُعْطِي مِثْلَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِلْمَقَاصِدِ، فَإِنَّ مَقْصُودَ الْقَرْضِ إرْفَاقُ الْمُقْتَرِضِ وَنَفْعُهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الْمُعَاوَضَةَ وَالرِّبْحَ، وَلِهَذَا شُبِّهَ بِالْعَارِيَّةِ حَتَّى سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنِيحَةَ وَرِقٍ، فَكَأَنَّهُ أَعَارَهُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا مِنْهُ لَكِنْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِرْجَاعُ الْعَيْنِ فَاسْتَرْجَعَ الْمِثْلَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَبَرَّعَ لِغَيْرِهِ بِمَنْفَعَةِ حَالِهِ، ثُمَّ اسْتَعَادَ الْعَيْنَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا، وَلَوْ بَاعَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَوَهَبَهُ دِرْهَمًا هِبَةً مُطْلَقَةً لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْعِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا.

فَلَوْلَا اعْتِبَارُ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ لَأَمْكَنَ كُلَّ مُرْبٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِاخْتِلَافِ النَّقْدِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك أَلْفًا بِأَلْفٍ، وَوَهَبْتُك خَمْسَمِائَةٍ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ اشْتِرَائِهِ مِنْهُ تِلْكَ الْأَلْفَ فَتَصِيرُ دَاخِلَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>