للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ " يَنْبَغِي " تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ أَكْثَرَ مِمَّا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ سَوَاءً أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَهُوَ خَرَّجَ: يُؤَاخَذُ بِالْأَكْثَرِ وَقُيِّدَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا وَأَنَّ كِلَيْهِمَا قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ.

وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَهُنَا قَالَ الْقَاضِي، - فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجَامِعِ: إنْ تَصَادَقَا عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ لَزِمَ نِكَاحُ السِّرِّ بِمَهْرِ السِّرِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُتَقَدِّمَ قَدْ صَحَّ وَلُزُومَ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَحَمَلَ مُطْلَقَ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ السِّرُّ قَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: تَزَوَّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ طَرِيقُهُ وَطَرِيقَةُ جَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلُوا مَا أَظْهَرَاهُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِهِ لَازِمَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ السِّرُّ هُوَ الْأَكْثَرَ، أُوخِذَ بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ أُوخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ يُؤَاخَذُ بِالْأَكْثَرِ.

وَلِهَذَا الْقَوْلِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ: وَهُوَ أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ أَنَصِّهِمَا. فَإِذَا تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الْعِبْرَةُ إنَّمَا هِيَ بِالثَّانِي فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا مُخْتَلِفُونَ، هَلْ يُؤَاخَذُ بِصَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ فِيمَا إذَا كَانَ السِّرُّ تَوَاطُئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ؟ وَإِنْ كَانَ السِّرُّ عَقْدًا، فَهَلْ هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا أَوْ يُؤَاخَذُ هُنَا بِالسِّرِّ فِي الْبَاطِنِ بِلَا تَرَدُّدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ. وَإِنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُؤَاخَذُوا إلَّا بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَمْ يُرِدْ نَقْضًا، وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.

وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ سُمْعَةً كَذِكْرِهِ هَزْلًا وَالنِّكَاحُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ ذِكْرُ مَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>